وللتذكير، كان رئيس الحكومة الحالية في المغرب، عبد الإله بنكيران، ينتمي إلى التنظيم نفسه، قبل أن ينسحب منه، ويراجع أفكاره بعد أن تعرض للاعتقال. وانضم إلى الحزب نفسه شخص آخر، عرف بدفاعه وتنظيره للفكر الشيعي في المغرب. أما الحزب الذي فتح بابه أمام هذه "التشكيلة الجديدة" من الأعضاء فقد أسسه ضابط شرطة، سبق أن ورد اسمه في تقارير رسمية وتقارير منظمات حقوقية مغربية، كأحد الجلادين إبّان الفترة التي تعرف في المغرب بـ "سنوات الرصاص"، أي سنوات الستينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المغرب.
هذا الخليط أو "الكوكتيل مولوتوف" من الأعضاء الجدد داخل الحزب نفسه، الذي أصبح يجمع ما بين السلفي الجهادي، والإسلامي المعارض، والإسلامي المتشيع، وضابط الشرطة المتهم بتعذيب المعارضين السياسيين، ليس تعبيراً عن إرادة سياسية لكل هؤلاء، لأن الحزب الذي يجمعهم ليس له أصلا أي برنامج سياسي أو اجتماعي، وأبعد من ذلك ليس أي فكر أو إيديولوجية يتبناها، فقد تأسس داخل دهاليز وزارة الداخلية. ومن يعرف الواقع المغربي يدرك أن فتح باب حزب سياسي أمام هذا النوع من الأعضاء المثيرين للجدل لا يمكن أن يكون بمبادرة شخصية، لا من الأعضاء، ولا من مؤسس الحزب. كما أنه لا يمكن لمؤسس الحزب الذي انتقل من مفوضية الشرطة إلى رئاسة الحزب أن يفتح باب حزبه لأعضاء يمثلون هذه الحساسيات المثيرة للجدل، من دون أن يحصل على ضوء أخضر من السلطة، التي سبق لها أن منعت حزبين سياسيين يمثلان حساسية إسلامية معارضة، هما حزبا الأمة والبديل الحضاري، وترفض الاعتراف السياسي بوجود جماعة العدل والإحسان المعارضة، رغم أنه مرخص لها قانونيا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يفتح فيها باب حزب سياسي لحساسيات إسلامية مثيرة للجدل، ففي عام 2012، استقبل حزب صغير قيادات من تيار السلفية الجهادية مباشرة بعد خروجهم من السجن، وكان ينتظر أن يجلب هؤلاء إلى الحزب حساسيات سلفية أخرى. حدث ذلك في تزامن مع بروز أحزاب التيارات السلفية في المنطقة العربية، في عز موجة الربيع العربي، قبل أن تنتهي تجربة تلك الأحزاب إلى مآلاتها الحالية. وقبل ذلك في نهاية تسعينيات القرن الماضي، فتح حزب سياسي مغبون أبوابه لإسلاميين نجحوا في أن يحولوه إلى حزب إسلامي حقيقي، هو الذي يقود الحكومة في المغرب حاليا.
ما يجمع بين هذه التجارب الثلاث أن الإسلاميين المعنيين يكونون محسوبين على التطرف، قبل أن يقوموا بمراجعات فكرية، ويقدموا تنازلات سياسية، أما الأحزاب التي تفتح لهم أبوابها فتعود ملكيتها إلى أشخاص محسوبين على السلطة، وكل هذه الأحزاب تكون مجرد قوقعات فارغة تنتظر من يملأها. وأخيراً، فإن التوقيت الزمني لفتح أبواب العمل السياسي للإسلاميين يكون في مواسم محسوبة. فأول تجربة لإشراك الإسلاميين في المغرب في العمل السياسي في تسعينيات القرن الماضي جاءت قبيل دخول المعارضة اليسارية التاريخية في المغرب إلى الحكومة، وقبيل وفاة الملك الحسن الثاني بسنتين، وكان ذلك بهدف الإدماج، كما سيتضح من بعد، البحث عن بديل سياسي ليشغل كرسي المعارضة المؤسساتية، حتى لا يترك الفراغ للطبيعة لتملأه، وأيضا ضمان انتقال سياسي مرن للمُلك من الملك الراحل إلى وريثه الملك الحالي، محمد السادس.
تمت التجربة الثانية التي حصلت عام 2012، في سياق بروز موضة "الأحزاب السلفية" في المنطقة العربية، وبما أن هذه الموضة لم يكتب لها النجاح، منيت التجربة المغربية بالفشل. وأخيرا التجربة الحالية التي تأتي في سياق الصراع المذهبي الذي يعصف بالمنطقة، وما يتميز به هذا السياق من بروز الحاجة إلى إسلام سلفي موال للسلطة، قادر على أن يواجه التأثير الشيعي والتطرف السني والمعارضة الإخوانية.
وهناك من قرأ في التجربة المغربية الحديثة مبادرة جديدة لإدماج تيار من السلفية داخل اللعبة السياسية، لضبط تحركه ووضعه تحت المراقبة المؤسساتية. وهناك من قرأ فيها محاولة لتأسيس حزب إسلامي جديد موال للسلطة، وفي الوقت نفسه، منافس للحزب الإسلامي، الذي يقود الحكومة من داخل مرجعيته الإيديولوجية نفسها، ولمواجهة على أرض الواقع في أفق الاستحقاقات المقبلة، وخصوصاً أمام ضعف باقي الأحزاب السياسية المحسوبة على المعارضة المؤسساتية، التي لم تنجح في وقف مد إسلاميي الحكومة.
يتعلق الأمر بتجريب وصفة "السلفية السياسية" بديلاً، أو على الأقل منافساً، للإسلام السياسي الذي جسدته تجربة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية التي تنهج نهجهم في التنظيم والمذهب. لكن كل التجارب التي سبقت التجربة المغربية كان مآلها الفشل، فهل تنجح التجربة المغربية في ما فشلت فيه التجارب الأخرى، وتصبح للمغرب وصفته الخاصة به، تحت مسمى "السلفية السياسية"، بديلاً ومنافساً للإسلام السياسي، العصيِّ على الاحتواء أو الترويض؟