طبعا لم يستقل رئيس الحكومة، وبعد ذلك الحادث المأساوي تكررت حوادث أخرى أكثر مأساوية وما زال رئيس الحكومة لم يكشف للرأي العام عما فكر فيه أو ما كان ينوي فعله عقب كل حادث كارثي. آخر هذه المآسي حادثة السير التي وقعت الأسبوع الماضي بالجنوب المغربي وأدت إلى تفحم جثامين 35 طفلة وطفلا في ربيع طفولتهم. الحادث بمأساويته هز الرأي العام المغربي وأعاد تسليط الضوء على ما يسميه المغاربة "بحرب الطرقات" التي تؤدي بحياة أكثر من أربعة آلاف ضحية سنويا، ولم تفلح كل الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها من قبل السلطات من الحد من خسائرها.
الحادثة الأخيرة التي باتت تسمى في الإعلام المغرب بـ "حادثة طانطان" نسبة إلى المدينة القريبة من مكان وقوعها وتجاوزت في فضاعتها ومأساويتها كل الحوادث التي سبقتها. فالصور التي تناقلتها المواقع الاجتماعية تظهر كتلة من اللهب مشتعلة في هيكل الحافلة كما لو أنها أصيبت بقذيفة أو صاروخ حارق. منظر يشبه تلك الصور الآتية من العراق وسوريا واليمن. ومن وسط كتلة النار تلك، التي كانت تلتهم أجساد أطفال صغار، نجح أحدهم في بعث رسالة نصية عبر هاتفه النقال إلى أمه يطلب منها نجدة زميله الذي كان يجلس جنبه وكانت النار تلتهم جسده الصغير. سيقضي الاثنان معا وستظل رسالة ذلك الطفل الصغير توخز ضمائرنا، فهو فكر في نجدة زميله قبل أن يفكر في مآله المأساوي!
الحادث بكل مأساويته يطرح أكثر من سؤال على المسؤولين المغاربة. فالأمر لا يتعلق هذه المرة بحادث ناتج عن الحالة السيئة لحافلة النقل، وهو أمر مستبعد بالنظر إلى السمعة التي تتمتع بها الشركة المالكة للحافلة، كما أن وزير التجهيز والنقل المغربي أكد أمام البرلمان أن الطريق التي وقعت عليها الحادثة توجد في حالة جيدة. جميع الشكوك تتمحور حول الشاحنة التي اصطدمت بالحافلة وطبيعة المواد الحارقة التي كانت تحملها وتسببت في اندلاع الحريق الذي أدى إلى تلك المأساة. السلطات المغربية كعادتها أعلنت عن فتح تحقيق في الحادث، لكن حتى قبل أن يبدأ نفت وزارة الداخلية في بيان صادر عنها أن تكون الشاحنة التي اصطدمت بالحافلة محملة بالبنزين المدعوم المهرب. كما قام حزب "الاتحاد الاشتراكي"، دفاعا عن أحد أعضاء مكتبه السياسي بالمنطقة، بإصدار بيان يبرئ فيه "مهربي البنزين" من الحادث. سينتهي التحقيق كما جرت العادة في المغرب إلى النسيان، فليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها عن فتح تحقيق وتنصيب لجنة لتقصي الحقائق من طرف البرلمان وينتهي كل شيء إلى النسيان. تتكرر الحوادث المأساوية وتتعدد لجان التحقيق والنهاية واحدة: لا مسئول ولا محاسبة.
لم تمض أيام على هذا الحادث الذي التهم أجسادا طرية ومعها التهم أحلاما صغيرة وآمال عريضة لأسر مكلومة، حتى انشغل الرأي العام بأخبار للتلهية من قبيل زواج وزير بزميلته الوزيرة، و خرافات شيخ صوفي يدعي "الكرامات".
الديمقراطية هي المحاسبة، وعندما تغيب المحاسبة تتحول الديمقراطية إلى خوارق وكرامات يصدقها الشعب ويستفيد منها الحكام.