أن يتناظر الفقيه والنّسواني والحقوقي والطبيب وعالم الاجتماع، حول موضوعٍ شديد الحساسية، معناه قبول بالحوار، وقبول الحوار معناه القدرة على الإنصات، والقدرة على الإنصات معناها إمكانية التنازل عن الرأي المُسبق.
إن نُضج الحوار العمومي، يُقاس بالقدرة الجماعية على تجاوز مناطق «المُقدس» و»المُحرّم»، وعلى وضع «الطابوهات» تحت مشرحة النقاش الهادئ والرّصين، بعيداً عن الحل السهل والمُكلف في المدى البعيد: النفاق الجماعي.
في كلّ أنحاء العالم أصبحت قضايا مثل الإجهاض، الحريات الفردية، الإعدام، مُحددة للتقاطبات الجديدة، بين العائلات السياسية والفكرية، التي لم تعد قادرة على إعادة تعريف هويتها بناءً على مرجعيات إيديولوجية حادة وواضحة التباين، كما أن هامش المبادرة الذي بات يتوفر عليه الفاعل السياسي /الحكومي تجاه السياسات العمومية الاجتماعية، لم يعد يسمح بفرز واضح للمشاريع على أساس الأجوبة الاجتماعية والاقتصادية.
كل هذه التحولات جعلت المرجعيات القيمية، في كثير من الساحات السياسية، محددة للفرز والتقاطب الانتخابي بين القوى السياسية.
إن المُجتمع الديمقراطي، هو بالتعريف المجتمع الذي يسمح بتدبير توتراته القيمية والهوياتية، بعيداً عن التمترسات المذهبية والعقائدية، وبعيداً – بالطبع- عن خطابات التكفير والكراهية والعنف.
والمؤكد أن تجارب الشعوب والأمم حولنا، تقدم عناصر نجاح «الوصفات» الضرورية لهذا التدبير الذي يُجنِّب حالة الاحتراب المجتمعي والشّرخ الحاد للنسيج الوطني، وفي الوقت نفسه يسمح للمجتمعات بالتعبير عن «تناقضاتها» القيمية.
ولعلّ القاعدة الأولى في تدبير أسئلة الاستقطاب المُجتمعي، وعلى العكس تماماً من قضايا السياسات العمومية، هي تجاوز الحلول العددية المبنية على أساس الأغلبية والأقلية.
القاعدة الثانية ترتبط بالوعي بأن الخلاف حول هذه القضايا سيبقى خلافاً مزمناً. إن تقاطبات من هذا النوع لن تُحسم بقانون، ولن تُطوى بمجرد قرارات حكومية وسياسية، إنها خلافات تُدبر ولا تُحسم، إذ أن إقرار نصٍ يحذف عقوبة الإعدام، لن يُنهي ببساطة الأصوات المطالبة بالإبقاء عليه، والأمر نفسه ينسحبُ بالضرورة على مسألة تقنين الإجهاض.
القاعدة الثالثة تتعلق بإخراج هذه النقاشات ما أمكن من مربع المواقف الإيديولوجية، وهنا فإن توسيع طاولة الحوار، لتشمل أصوات العلم والخبرة، قد تكون إحدى وسائل تخفيف الطابع الإيديولوجي عن الحوار العمومي المتعلق بهذه «التوترات المجتمعية». في مثل هذه المسائل، فإن حُجج الطبيب والسوسيولوجي والخبير النفسي، أهم بكثير من القناعات الإيديولوجية لباقي الأطراف.
دون ذلك سنقترب أكثر من حالة إجهاض الحوار، عوض أن نُنجّح رهان الحوار حول الإجهاض.