القائمة

الرأي

سأكون أول من يكتب مقالا فارغا

مستشفياتنا تحقق فائضا في المرضى والموتى … لهذا نرى حواملنا ومرضانا ممددون في ممرات المصحات وعلى عتباتها، نحقق أيضا فائضا في التطرف والعنف فلا يخلوا «تفجير» من علامتنا التجارية، نحقق فائضا في القمع فلا يخلوا معتقل في العالم من استعمال «نظرياتنا» في «فن القرعة» و «العلاقة» و «الفلقة» …،

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

 بعض النقاد والقراء يصفون كتابات لا تعجبهم بالفارغة، وبعض الساسة يصفون خطابات معارضيهم بالفارغة…ومؤخرا اثار انتباهي لوحة «فارغة» بيعت بالملايير، فرفعت تحدي أن أكتب مقالا فارغا، أي أن أكتب ذاك المقال/ النص الذي يخشى كل الكتاب أن يسقطوا فيه. ليس لبيعه بطبيعة الحال، ولكن لعلي أستثير الملايين من الرؤوس الفارغة.

أن يكون مقالك فارغا يعني ألا يحمل بين سطوره أي شيء؟ لكن كيف وهو على الأقل سيحمل بياضا، ونقول على الأقل على افتراض أن «الفراغ» أقل شأنا من «الامتلاء».

كيف سيكون المقال فارغا؟ هل هو فارغ من «المادة» أم فارغ من المعنى؟

إن «كتبت» نصا فارغا من الحبر، بالتالي فارغا من المادة، فلابد أن يكون القارئ أو المشاهد عند ذلك أمام بياض، لكن ألا يعتبر البياض أيضا امتلاء؟ على اعتبار أنه يحتوي لونا؟ والأكيد أن كثيرا من القراء سيملؤونه إما بصقا أو سبا أو إعجابا…المهم في اخر المطاف سيكون ممتلئا.

أما إن كان النص فارغا من المعنى فهذا لا يجعل منه بالضرورة فرغا، على اعتبار أن لا أحد يستطيع أن يجزم أن غياب المعنى يعني بالضرورة وجود الفراغ، ألا يمكن أن يكون ما نسميه فراغا في المعنى عبارة عن «ثقب أسود» إلتهم المعاني فيتراء لنا كأنه فراغ في حين أنه درجة ما بعد الامتلاء.

عند هذا المستوى يكون الحديث عن الوصول إلى كتابة شيء فارغ دون التمكن حتى من ذلك يعتبر فشلا ذريعا، لأنك تكون قد فشلت في تحقيق حتى ما يخشى الناس السقوط فيه، بالتالي يكون هذا هو الفراغ بعينه.

تنويه لابد له للقارئ النبيه:

هذا النص لا يحتمل أي اجتهاد في التأويلات، فلا علاقة له بفراغ خطب سياسينا الأجلاء، أغلبية أو معارضة، ولا علاقة له بخطب الولاء ولا الرعايا، ولا بكراسي البرلمانات الفارغة، ولا بفراغ صناديق الدولة من أموالها، ولا فراغ شاشاتنا من الصورة والكلمة، ولا فراغ شواهد جامعاتنا ومدارسنا من الكفاية، أو فراغ مستشفياتنا من الاستشفاء، أو طرقنا من الزفت … كل شيء في بلادي مملوء ويحقق فائضا يمكن تصدره.

مستشفياتنا تحقق فائضا في المرضى والموتى … لهذا نرى حواملنا ومرضانا ممددون في ممرات المصحات وعلى عتباتها، نحقق أيضا فائضا في التطرف والعنف فلا يخلوا «تفجير» من علامتنا التجارية، نحقق فائضا في القمع فلا يخلوا معتقل في العالم من استعمال «نظرياتنا» في «فن القرعة» و «العلاقة» و «الفلقة» …، نحقق فائضا في الإنسان فمن لم نصدره في الطائرات والبواخر نرسله في قوارب الموت، نحقق فائضا في الأموال فنصدرها إلى الخارج بالقانون وليس خلسة، نصدر الكذب فندفع الأموال للأجانب ليمدحوا سواد عيوننا ونهجنا الحكيم، نحقق حتى فائضا في الجغرافيا فلا بأس من التنازل عن سيادتنا عن مساحات من أراضينا، كما نحقق أيضا فائضا في التنكيت والتهريج وهز الردف والبطن، فلا تخلوا مسابقة عالمية في هذا المجال من رايتنا الحمراء …

وبما أن مقالي هذا فارغ حتى من هذه المعاني، فبذلك أكون قد حققت السبق في كتابة شيء تافه وفارغ، بل قد اختصرت الجهد حتى على النقاد، فهذا كلام فارغ والسلام.

زيارة موقع الكاتب: http://isskela.blogspot.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال