وكان رئيس الحكومة قد حل ضيفا على مجلس النواب في جلسة المساءلة الشهرية، الأسبوع ما قبل الفائت، في ذات موضوع تصنيف المغرب، عندما عبّر عن جدية تعامل الحكومة مع التقارير الدولية، معلنا عن إنشاء مجموعة عمل لتتبع مجمل التوصيات الواردة فيها.
لا نعرف بالضبط سر تغير لهجة الحكومة مع التقارير الدولية، والمأمول ألا يكون الأمر مرتبطا، فقط، بالتقدم الطفيف أو المعتبر، الذي حققه المغرب على سلم ترتيب الأمم في تقارير حديثة.
ما نعرفه هو أن رئيس الحكومة، نفسه، كان قد صرح من على منبر مجلس المستشارين في مارس الماضي، بأن المغرب لا يقبل بأن يحاكم من قبل التقارير الدولية، وكانت المعارضة آنذاك، قد حاججته بالبعض منها في موضوع السياسة الوطنية للهجرة.
وهو الموقف نفسه، تقريبا، الذي كان قد أعلنه شهرا بعد ذلك، في مجلس النواب، بصدد المساءلة الشهرية في موضوع حرية الصحافة، عندما أعلن رفض حكومته لما اعتبره تصنيفات غير منصفة ومناقضة للواقع، مشيرا إلى التقارير التي أشهرها في وجهه بعض النواب في علاقة بمؤشر تراجع حرية الصحافة.
بعد هذا الرفض القاطع للتقارير الدولية، سيُحوّل رئيس الحكومة تقدما مغربيا في ترتيب مؤشر مناخ الأعمال، إلى «خبر سعيد» جدير بأن يؤجل الإعلان عنه إلى ليلة الإضراب العام الأخير.
عموما، ما يمكن الاحتفاظ به من جواب رئيس الحكومة، في آخر مناسبة، يوم الثلاثاء 13 يناير، ينطوي على كثير من الموضوعية، فالمغرب يرتب عادة في الثلث الأول من التقارير المتعلقة بمناخ الأعمال ومؤشرات الحكامة، وفي الثلث الأخير من التقارير التي تهم التنمية البشرية والمساواة.
والأمر يتعلق وفقا لنص الجواب، بما يناهز الثمانين تقريرا، استدعت بالنسبة إلى ذ. بنكيران فكرة إنشاء مجموعة عمل لتتبع توصياتها، وهذا أمر مهم، وإن كنا لا نعرف بالضبط عن أي مستوى وزاري أو بين وزاري تم تنصيب هذا الفريق، ولا عن علاقته المحتملة بمندوبية التخطيط التي راكمت بحكم وظيفتها خبرة في هذا المجال.
الحكاية المغربية مع «التقارير» قديمة، والمؤكد أنها سابقة عن لحظة الاكتشاف العمومي لها، عندما أمر الملك الراحل الحسن الثاني بتعميم تقرير للبنك الدولي، العام 1995، في سياق خطاب السكتة القلبية، بعد ذلك سيأتي تقرير الخمسينية في سياق سياسي مغاير، وهو الذي سيشكل فرصة للانتباه إلى الخبرة المغربية، في حقل يطغى فيه الافتتان بالخبرة الأجنبية والخاصة.
بعد دستور 2011، سيلج المغرب مرحلة «وفرة» وطنية في عرض وإنجاز التقارير، من طرف هيآت الحكامة، المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث سيتوفر في بعض المواضيع تضخم في الآراء والاستشارات مختلفة الاتجاهات.
جزء من هذه الحكاية، يتعلق بالمنازعة التقليدية للمغرب في بناء وهندسة مؤشر التنمية البشرية، والذي طالما اعتبر -خاصة- على مستوى مؤشره الفرعي المتعلق بالدخل، مجحفا في قياس الجهود الوطنية، انطلاقا من كونه يعتبر مؤشرا ماديا صرفا يكافئ أكثر الاقتصاديات الريعية ولعل جزءا من هذا النقاش يجسد خلفية المرافعة المغربية حول «الرأسمال المادي».
لقد بات من المفروض على الحكومات الانتباه إلى كل هذه التقارير المتهاطلة، فجزء كبير منها أضحت له سلطة مرجعية، وبعضها حاسم في قرار المستثمرين الأجانب، وبعضها الآخر محدد في تنقيط المؤسسات الدولية أو مؤثر في قرار كبريات العواصم الدولية.
كل هذا يفرض على الحكومات من جهة، رصد قنوات تغذية هذه التقارير بالمعطيات، وتعزيز المنظومة الوطنية للمعلومات، وتكريس «سلطة» ذات مصداقية واستقلالية في هذا الشأن. ومن جهة أخرى، يلزمها بتحليل المؤشرات المعتمدة كشبكة لقراءة وتقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
في المقابل، فإن مهمة الباحثين ومراكز الدراسات، تكمن بالضبط في إزالة «القداسة» عن هذه التقارير، ونزع طابع «السحرية» عن تصنيفاتها. إذ أن وراء هذه الأرقام والمؤشرات يكمن ما يسميه الاقتصادي، نورالدين العوفي، بـ»النمط المعياري الواحد»، حيث الكثير من الإيديولوجيا والرؤى السياسية، التي يجسدها نظام عالمي للحكامة يريد أن يدبر العالم على مزاج أسياده الجدد من المؤسسات المالية، مقلصا سلطات الدولة الوطنية ومهام الرقابة السياسية للمنتخبين.