القائمة

الرأي

حسن طارق : يتمي تضاعف بفقدان أخي الأكبر

 

صديقي السّي أحمد
لا قُدرة لدي على تحويل الحزن الأسود الذي يغمرني منذ فاجعة الأحد إلى لغةٍ .لا كلمات يمكنها أن تسع هذه الخسارة الفادحة التي ألمّت بي.

صديقي السّي أحمد
لا قُدرة لدي على تحويل الحزن الأسود الذي يغمرني منذ فاجعة الأحد إلى لغةٍ .لا كلمات يمكنها أن تسع هذه الخسارة الفادحة التي ألمّت بي.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

ما أشعر به، ببساطة، وأنا المُكتوي بيُتم الأم الحبيبة، أن يُتمي تضاعف جراء فقدان أخٍ أكبر، اعتدت أن يكون بجانبي في الحياة والسياسة، وألفت أن أقتسم معه صداقة حميمة ولحظات إنسانيةٍ لا تُنسى .

أكاد لا أصدق، من هول الحدث، هذه المفاجأة الغادرة التي خبأتها لنا الحياة ،في التوقيت الخطأ تماماً.

أكاد لا أصدق أن خطواتنا لن تتجاور، بعد اليوم، في دربنا المشترك. وأن ضحكاتنا المُجلجلة لن تتداخل تحت سماء صداقتنا الرّاسخة.

صديقي السّي أحمد ؛ أنا حزين جداً لرحيلك الصّادم.

سأفتقد صوتك الهادئ في زمن الزّعيق، وتحاليلك العميقة في زمن السّهولة. سأفتقد حسك الإنساني في زمن المشاعر المُعلّبة.

سيذكرنا غيابك الفادح بحاجة السياسة إلى الأخلاق، وبأنه يمكن للسياسي في بلدي أن لا يكون بالضرورة مُرتزقاً أو قاطع طريق.

سيذكرنا غيابك الفادح بأن السياسة قد تعني كذلك الالتزام والنّبل والشجاعة والاحترام، وبأنها قد تستحق تعريفاً آخر غير الخديعة والتآمر والتصفيات.

صديقي السّي أحمد ؛ أنا حزين جداً لرحيلك الصّادم.

طوال الثلاث سنوات الأخيرة شكلت ضميراً حياً للاتحاد ،وقُدت بشجاعة معارك رائعة ضد تحويل هوية الحزب، وكنت في كُل هذا التردي الذي وصلته الحياة السياسية ،تمثل أملاً ناذراً ،في استرجاع الاتحاد لبريقه المتآكل، واستعادته لروحه المُنهكة.

نعم لقد جسدت أملاً عارماً لفئات عريضة من نساء ورجال شعب اليسار، في سياقٍ ممهور بأزمة فظيعة في الأخلاق السياسية للقيادات الحزبية للقوى الوطنية والديمقراطية.

نكتشف اليوم، ونحن نُطوق بأمواج عالية من التعاطف الشعبي، ومن مئات المواطنين الذين يبادلوننا العزاء في فقدانك القاسي، أنك لم تكن مُجرد قائد اتحادي أصيل، ولا مُجرد برلماني ملتزم، ولا حتى رئيس جماعة تواعدت معها بصوفيةٍ في الحياة والممات، وأنك كنت رمزاً لسياسيٍ مُختلفٍ، لفصيلة مهددة بالزوال من رجال ونساء السياسة، الذين لا يخطئون الدرس الأول لزعيمنا الخالد السي عبد الرحيم، عندما يقول بيقين الأنبياء :"لا سياسة بدون أخلاق".

لذلك،فسواء اختلفنا معك أو اتفقنا معك، فإن صورتك لدى الرأي العام ظلت مُشرقة، ولم تطل ملامحها الخدوش العميقة التي تحملها الصّورة التي يحتفظ بها عادة المواطنون عن رجال السياسة القادمين من صفوف اليسار والقوى الديمقراطية .

سواء اختلفنا معك أو اتفقنا معك، فقد تعلمنا منك ومعك الشيء الكثير، تعلمنا معك شجاعة الإنتفاض ضد المَس بالقرار الحزبي المُستقل ،تلك الشجاعة التي بوئتك مكانك الشامخ كحارسٍ لضميرنا الجماعي ، تلك الشجاعة التي أخرست الكثير من أشباه الديمقراطيين!

سواء اختلفنا معك أو اتفقنا معك، تعلمنا منك و معك شجاعة أن يصدح صوتك عالياً ومجلجلاً ، في غشت ماقبل الماضي، تحت قبة البرلمان، احتجاجا على مصادرة البرلمان من التشريع في القوانين التنظيمية، وأنت الذي وصلتك رسمياً أخبارٌ عن أن وراء المنع توجيهاتٌ عليا، وكنا قد اقترحنا عليك رفعاً للحرج أن يتحدث رفيقٌ آخر غيرك في الجلسة، وكنت قد اتفقت معنا حول ذلك، لكننا سنفاجئ بك ترفع يدك طالباً نقطة نظام ،لعلها من أقوى ما قيل تحت ذات القبة دفاعاً عن البرلمان وعن الشرعية، في ليلة برلمانية مشهودة ،أسمتها الصحافة بكل اختصار، ليلة قتل الدستور.

ليلتها، وعلى مائدة السحور، سأهمس في أذنيك، هل كان السي أحمد ضرورياً هذا التدخل؟ لتجيبني: كان ضرورياً ،حتى ولو قُدر له أن يكون تدخلي الأخير!

صديقي السي أحمد ؛

بعد هذا اليوم ،لن تعاتب مدير هذه الجريدة ،صديقنا المشترك ،على الإمعانِ في الحديث عن "أتباع الزايدي"، ولن تسمعه يتحدث لك عن بحث الصحافة الدائم عن الاختصار، وهو يعرف أن هذه العبارة ،لا تروق لك تماماً ،حتى ولو حولناها في كثير من لحظات الصفاء إلى موضوع للتندر !

هذا اليوم لن تقرأ هذه السطور، ولن ترفع سماعة الهاتف، لتعاتبني على ما قد تكون هذه الكلمات الممهورة بمداد الأسى والدموع، قد لحِقته بتواضعك، تماماً مثلما فعلت عندما وجهنا إليك رسالة شكر في أبريل الماضي ،في سياق أزمة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب .

هذا اليوم، لن تفعل ذلك، لأنك لم تعد هنا معنا على هذه الرقعة من الحياة !وهذا وحده أمرٌ يصعبُ تحمله!

السّي أحمد؛ وداعاً .

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال