في حين تختطف الدولة الإسرائيلية منذ سنوات أكثر من 192 فلسطينياً بدون محاكمة، في إطار ما تُسميها «الاعتقالات الإدارية» التعسفية. ويوجد في سجونها أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني بعضهم محكومون بالمؤبد، ومن بينهم أسيرات وأطفال وعجزة ومرضى. لكن كل عمل يقوم به الفلسطينيون لتحرير أسراهم، بما في ذلك إضراب الأسرى عن الطعام لنيل حريتهم، تعتبره الدولة العبرية إرهابا ترد عليه بقتل المزيد من الفلسطينيين، واعتقال مئات منهم «دفاعا» عن مواطنيها الغزاة والمستوطنين! (...)
كما أن عملية «الاختطاف» المفترضة تأتي في سياق فشل المفاوضات الأخيرة مع الفلسطينيين، وتحميل المجتمع الدولي المسؤولية للحكومة الإسرائيلية في فشلها، ومن خلال هذه العملية، تسعى حكومة تل أبيب إلى فك العزلة الدبلوماسية عنها، وتحسين صورتها حكومة يمينية وعنصرية ومحتلة، لا تريد السلام مع الفلسطينيين. وأخيراً، وفي ظل الفوضى العارمة التي تشهدها المنطقة من سوريا إلى العراق، تسعى إسرائيل إلى استغلال ظروف المنطقة، لتنفيذ مخططاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، والقضاء على السلطة الفلسطينية، حتى تتحول إلى مجرد مخفر شرطة كبير لحراسة أمن المستوطنين.
وفي مقابل كل هذا التخطيط الإسرائيلي المحكم، يعم، كالعادة، صمت عربي مخز ومريب، في انتظار أن تعلن دولة «داعش» «العظيمة» قيام «خلافتها الإسلامية» على ما تبقى من ركام الخراب العربي، أو أن تصل قوافل الحسين «الاستشهادية» معلنة ظهور «المهدي المنتظر»!
اليوم، كل وسائل الإعلام تتحدث عن مصير ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، فيما ينسى الجميع حصار مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة منذ سبع سنوات، والتنكيل اليومي والممنهج الذي يتعرض له ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس، لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا على أرض، يريد محتلها أن يغتصبها منهم!
وقد نجحت الدعاية الإسرائيلية في إقناعنا، وإقناع العالم، بأن عقيدة الدولة العبرية تكون دائما على استعداد لتقديم كل التضحيات، من أجل حياة أي فرد من أفرادها. ورأينا كيف نجحت الدعاية الإسرائيلية في تحويل أحد جنودها الغزاة، الذي اعتقل في غزة في أثناء عملية عدوانية على شعبها المحاصر، إلى بطل عالمي، ترفع صورته في ملاعب كرة القدم، وتطفئ كنائس أوروبية أنوار أبراجها حزنا على أسره!
وتابعنا كيف تمت مقايضة حرية ذلك الجندي بحرية أكثر من ألف أسير ومحتجز فلسطيني، من دون احتساب عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في حربين خاضتهما من أجل تحريره، واعتداءاتها المستمرة على سكان غزة طوال خمس سنوات من أسره، وعدد الفلسطينيين الذين حوصروا وجُوّعوا وحُرموا من الدواء وأبسط شروط الحياة الإنسانية، عدة سنوات عقاباً جماعياً على أسر جندي غازٍ!
وقبل ذلك، شهدنا عشرات الصفقات لتبادل عشرات ومئات الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين، في مقابل رُفات جندي إسرائيلي واحد، أو فقط، مقابل معلومات عن مفقود إسرائيلي، أو فيديو لمعتقل إسرائيلي عند الفلسطينيين، تستغله إسرائيل للدعاية، وتصوير جنودها الغزاة ضحايا وسفراء سلام!
ولن نستغرب أن يتحول المستوطنون الثلاثة الذين اختفوا على أرض فلسطينية يحتلونها اغتصابا إلى أبطال توضع صورهم نياشين على صدور متضامنين، يجهلون كل شيء عن حالة الاختطاف الحقيقي لشعب بكامله منذ أكثر 66 سنة، هي عمر النكبة الفلسطينية.
الغطرسة الإسرائيلية بقدر ما تستفزنا، تدفعنا، أيضا إلى التساؤل: كم يساوي المواطن الإسرائيلي في نظر حكومته، وكم يساوي المواطن العربي في نظر حكامه؟ والجواب نجده على لسان مواطن مصري يصرخ كل مساء في وجوهنا في «برومو» تبثه شاشة قناة «الجزيرة»، مستنكراً موت ضميرنا الجمعي: «قتلى ميدان رابعة مش صراصير!». فالأنظمة التي حولت مواطنيها «صراصير» هي التي تفرض على شعوبها ابتلاع الإهانة الإسرائيلية التي حولت شعبا بكامله إلى مختطف ورهينة لأساطير تلمودية خرافية!