وفيما يلي نص المقال:
ربما لم يسمع الكثير بوفاة أحد العلماء الكبار الأستاذ الدكتور المهدي المنجرة من المغرب الشقيق رحمه الله، ذلك أن المنجرة لم يكن يهتم بالماضي فقط ولا بالحاضر فقط، إنما كان اهتمامه بالمستقبل بالدرجة الأولى. لعله أحد أكبر علماء الاستشراف في العالم العربي إلى جانب وليد عبد الحي (فلسطين)، وعبد الله النفيسي (الكويت)، وأحمد سعيد نوفل (الأردن)، وأحمد بن عبد الرحمن الصويان (السعودية)، ومحمد زاهي المغيري (ليبيا)، ونبيل عبد الفتاح (مصر)، وولد سيد أحمد فال (موريتانيا)، وقيس الهمامي (تونس)، حتى لا أذكر سوى هؤلاء من حملة أعلى الدرجات العلمية...
لقد توفي أحد أعمدة الاستشراف في عالمنا العربي ونحن في غفلة من أمرنا لا ندري إلى أين نحن سائرون... تُرسم السيناريوهات لنا في مراكز بحثية مختصة ونحن لاهون، فلا نراها إلا عندما تشتعل تحت أقدامنا نارا كما في سورية ومصر والعراق وليبيا واليمن وغيرها من البلاد العربية، دون أن ندري أن سببها الأول هو عجزنا أمام المستقبل. سببها الأول هو أن مثل المهدي المنجرة لم يجد آذانا صاغية للاحتياط للمستقبل، ويتوفاه الله وفي قلبه حسرة على أن محاضراته ممنوعة والكثير من البلدان العربية ترى زيارته خطرا عليها، والقليل هم من يعرف أنه سبق صمويل هتنغتون ـ بشهادة هذا الأخير ـ بالتنبؤ بصدام الحضارات، وكان ذلك في الجزائر سنة 1990م في ندوة المستقبل الإسلامي التي انعقدت بنزل الأوراسي. وقليل هم من تابعوا أطروحاته بشأن مستقبل الإسلام وفلسطين والثورات العربية قبل أن تقع بربع قرن!
وربما لهذا السبب، لأن علماء الاستشراف لدينا يذهبون من غير أن ينتبه إليهم أحد، نحن نعيش هكذا، نُحكم ونُسيَّر من قبل من لا يؤمنون إلا بزمن واحد هو الحاضر، وحاضرهم فقط. كيف يعيشون وكيف يحكمون وكيف يموتون وكيف يُدفنون في جنازات مهيبة، ولا يهمهم ما يأتي بعد ذلك...
ليس لدينا أدنى شك بأن للاستشراف أهمية إستراتيجية لبلداننا، ولذلك فإننا إذ نُعزِّي أشقاءنا في المغرب على هذا الفقدان الكبير، ندعو إلى تنظيم ندوة دولية على شرفه بالجزائر لنجعل من وفاته فرصة لننظر للغد بطريقة أخرى بشكل أوسع وأبعد وأعمق كما يقول Gaston Berger لعلنا نبتعد لفترة عن لغو السياسيين وحساباتهم الضيّقة وقصر نظرتهم التي مافتئت تجعلنا ننسى أن المستقبل هو الزمن الوحيد الذي يمكننا أن نتحكم فيه ونصنعه... ويمكّنه أن يمدنا بالأمل الفسيح لا اليأس القاتل والمدمر...