إداريون في حالة طوارئ، أساتذة يبحثون عن النقط بين طاولات وأقسام متلاشية، تلاميذ يخافون من ذلك الذي «سيمسك» نقطهم اليتيمة، والرابح الوحيد في «قضية مسار» هما شركتا مايكروسوفت واتصالات المغرب، والخاسر الأكبر هو التعليم المغربي الذي خرج عن المسار، وموقع دادس أنفو يكشف أن الاحتجاج على «مسار» هو الشجرة التي تخفي حنقا شعبيا من واقع قطاع التعليم.
موقع دادس أنفو يبحث بين دواليب «مسار» أريد له أن ينزل تنزيلا في مؤسسات تسمى بهتانا »مدارس» ، ويطرح سؤالا عريضا : هل يحتج التلاميذ على «مسار البرنامج المعلوماتي» أم على مسار التعليم برمته؟
ما هو النظام المعلوماتي “مسار” الذي يراد له ان يخرج عن المسار؟
يندرج استعمال منظومة مسار حسب ما اعلنت عنه وزارة التربية الوطنية في إطار إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، وتطوير آليات وأساليب عمل الإدارة التربوية وتعزيز دور الحكامة في النظام التربوي، وضمان مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص بين جميع التلميذات والتلاميذ، من خلال التتبع الفردي لكل تلميذة وتلميذ، سواء من طرف الأساتذة أو آبائهم وأمهاتهم.
وأكدت الوزارة أن استعمال هذه المنظومة، لن يكون له أي تأثير على النتائج المحصل عليها عكس ما يجري تداوله والترويج له من شائعات في صفوف المتعلمين والمتعلمات، الغرض منها التشويش على الامتحانات التي جرت مؤخرا في ظروف عادية والحسابات الفردية الضيقة والمزايدات السياسوية التي تستهدف التلاعب بمصير التلميذات والتلاميذ.
برنامج مسار هو باختصار مشروع من بين مشاريع عديدة تبنتها وزارة التربية الوطنية وتشرف عليه الشركة العملاقة ميكروسفت، وقد شرع في هذا البرنامج منذ أبريل من السنة الماضية.
فمسار هو برنامج يرمي إلى إرساء سبل جديدة في التدبير والتواصل بالمؤسسات التعليمية من خلال مكونين إثنين هما:
– التدبير المعلوماتي للمؤسسات التعليمية ، بحيث يمكننا هذا البرنامج من تتبع مسار التعلم وكل المتغيرات الخاصة بالتلميذ طوال مسار حياته المدرسية، ويمكن أيضا أي مسار من حسن تدبير الزمن المدرسي وضبط البنيات التربوية إضافة إلى تدبير عمليات الدعم الاجتماعي .
-المكون الثاني هو مساهمة مشروع مسار في تطوير الخدمات الالكترونية لفائدة المتعلمين، دون إغفال تحديث مونوغرافيا المؤسسات التعليمية وخلق مواقع الكترونية جديدة لهذه المؤسسات.
فيديو عن اللقاء التواصلي الذي نظمته النيابة الاقليمية بدار الثقافة ببومالن دادس يوم الخميس 06 فبراير الجاري: مداخلات تنتقد واخرى تثمن
«مسار» يكاد يخرج عن مساره:
أحد المدراء علق على الحال ساخرا: هذه الايام لن ترى أي من المدراء يتجول في الشارع أو جالسا في الشارع فقد أصابهم «بوهروال». فمن الانتقادات الموجهة للوزارة في هذا الصدد عدم إشراك الفرقاء المتدخلين قبل الشروع في تطبيقه، إضافة إلى عدم الاهتمام بالتكوين الخاص ببرنامجها لكل المعنيين بمنظومة مسار. بما فيهم الأساتذة وهيأة التأطير والمراقبة لأنها معنية.
أستاذ في التعليم الابتدائي بقلعة مكونة قال لموقع دادس أنفو أن «المديرين خاصة بالمستوى الإبتدائي هم الأكثر تضررا من البرنامج لأنه فرض عليهم عملا اضافيا كان يقوم به المدرسون بالمسك الورقي، إذ فجأة أصبحوا مطالبين بتطبيق البرنامج المعلوماتي وفي غالبيتهم يواجهون مشاكل عديدة في التعامل مع المعلوميات»
إذ أن المشاكل التقنية التي يطرحها البرنامج ضعف الصبيب، وقلة خبرة الموارد البشرية. وقد أكدت جمعية مديرات ومديري التعليم الثانوي أن برنامج مسار لم تنضج معالمه التربوية بعد، حيث أربك العديد من الأساتذة و الإدارة التربوية بالمؤسسات التعليمية لجهل العديد منهم كيفية إدخال النقط و ربطها بالموقع الالكتروني للوزارة.
كما يؤكد البعض على أن ما يعاب على الوزارة انها كانت غير دقيقة وغير واقعية وقفزت على الإمكانيات اللوجيستيكية لمؤسساتها، فالعديد من المؤسسات التعليمية لا تتوفر لا على انارة ولا على ماء ولا على أقسام حقيقية ولا مراحيض، كيف أن تمسك نقط تلاميذها ببرنامج معلوماتي؟. هذا وقد صرح النائب التعليمي بتنغير عمر ملاحيظ لموقع دادس أنفو بأن «مسار» لايحتاج بالضرورة إلى ربط بالانترنت وقال أن هناك امكانية استعمل البرنامج خارج نظام الانترنت (offline)»
أستاذ من بومالن دادس أكد لموقع دادس أنفو أن «مدارس الجنوب الشرقي في غالبيتها لا تتوفر على سبورات ولا على مقاعد ولا على انارة ولا على تغطية الهاتف…فكيف سنشرح للمتعلمين أن نقطهم ستسجل معلوماتيا عبر الانترنت؟». وتساءل كيف سيتابع الاباء نقط أبنائهم في الانترنت وغالبيتهم لا يسألون عن أبنائهم حتى ولو كانوا قاطنين بجوار المدارس».
منذ تفعيل مسار وأطر الإدارة التربوية في «حالة طوارئ دائمة» بوسائل وإمكانيات تقنية بسيطة. فكثير من هؤلاء ( حسب ما صرح به أحد المدراء للموقع ) يضطر إلى السهر حتى الساعات الأولى من الصباح للتمكن من الدخول إلى صفحات برنامج مسار التي يبثها الحاسوب المركزي لوزارة التربية الوطنية بفعل صبيب الانترنت الضعيف وانعدامه في مناطق عديدة. إضافة إلى أن عددا لا يستهان به من هذه الأطر يفتقر إلى مهارات استعمال الحاسوب أو أنه غير معني بأي تجديد.
إن الأسئلة التي يطرحها الكثيرون هي من قبيل: هل ببرنامج «مسار» سنقضي على الهذر المدرسي، هل بمسار سنحل مشاكل الاكتظاظ ؟ يعلق أحد المدرسين في تصريحه لموقع دادس أنفو: «لماذا تنهج الدولة دائما سياسة –أش خصك ألعريان الخاتم أمولاي-»…وهذا يبرز بشكل جلي الإختلاف الواضح في تحديد الاولويات للقطاع. وربما «بعد القيمين على قطاع التعليم عن واقع هذا القطاع بعد السماء عن الأرض» كما يقول أحد المدرسين ساخرا.
النيابة الاقليمية بتنغير تتحرك للتواصل ومحاولة كشف اللبس:
نظمت نيابة التعليم بالاقليم يوم الاربعاء 05 فبراير 2014 المنظم بدار الثقافة بومالن دادس لقاء تواصليا مع الفعاليات الجمعوية والتربوية لشرح أهداف برنامج «مسار».
ابتداء من الساعة العاشرة صباحا وبحضور النائب الاقليمي و رئيس مكتب الامتحانات والسيد رئيس مصلحة التخطيط افتتح اللقاء بعرض النائب الاقليمي عمر ملاحيظ أبرز فيه سياقات برنامج مسار وأهدافه مؤكدا على أنه ياتي في اطار تثبيت دور الحكامة في المنظومة التعليمية وتفعيل مخطط وزارة التربية الوطنية 2013/2016 عبر ارساء منظونة معلوماتية ومندمجة انطلاقا من المؤسسات التعليمية الى الادارة المركزية. كما أضاف أنه يمكن أيضا في محطة مستقبلية من تدبير كل ما يتعلق باستعمالات الزمن وتدبير الأقسام والبنيات التحتية. وقد تم إنجازه من طرف وزارة التربية الوطنية ، وساهم في مرحلته الأولى، في تدبير العمليات المرتبطة بالدخول المدرسي منذ شهر يونيه 2013، وفي مسك المعطيات الخاصة بالتلميذات والتلاميذ، وتدبير عمليات التسجيل، وإعادة التسجيل، والانتقال الفردي أو الجماعي للتلاميذ وعمليات التوجيه، وكذا في تدبير البنية التربوية وتكوين الأقسام.
وقد فسر النائب الاقليمي احتجاج التلاميذ بما سماه «رسائل مغلوطة مررت للتلاميذ الذين لم يفهموا أهداف برنامج مسار وانعكاساته التربوية الايجابية» وأضاف أن هذا البرنامج سيحد من سخاء الاساتذة في منح النقط الاضافية للتلاميذ»
فيديو تصريحات مسؤولي النيابة لدادس أنفو حول مميزات برنامج مسار:
وفي عرض قدمه منسق البرنامج على مستوى نيابة إقليم تنغير، شرح محمد صبري سياقات وأهداف البرنامج وأكد على مميزاته وخصائصه الايجابية و وكذا مكوناته المتنوعة، ووقف على مجموعة من الخدمات التي يقدمها النظام لكل الفاعلين في العملية التعليمية.
«مسار»: القشة التي دفعت التلاميذ للاحتجاج
في سياق الاحتجاج التلاميذي على المستوى الوطني نظم تلاميذ ثانوية عبد الكريم الخطابي سيدي بويحيى بخميس دادس وعبد الكريم الخطابي وسيدي بويحيى وزاوية البئر وأيت باعمران وقفات احتجاجية يوم 04 فبراير رافعين شعارات تطالب ب»اسقاط برنامج مسار» مؤكدين على أن هناك أولويات كثيرة يجب تطبيقها وتنزيلها أكثر أهمية من مسار.
وقد طالب المتعلمون بحل مشكلة الاكتظاظ بالاقسام الدراسية، والزيادة في عدد الاساتذة لتغطية النقص الحاصل في المؤسسات التعليمية، وتوفير التجهيزات الاساسية بالمؤسسات كتجهيز المختبرات وقاعات المعلوميات، وكذلك تجهيز المؤسسات بالمعدات والتجهيزات اللازمة، والقضاء على مبدأ المحسوبية والزبونية في التنقيط.
وعشية يوم الخميس 06 فبراير الجاري خرج تلاميذ ثانوية بومالن دادس للاحتجاج، أي يوما بعد اللقاء الذي نظمته النيابة بدار الثقافة ببومالن دادس، وقد رفع التلاميذ شعارات مطالبة بتعميم المنحة على الطلبة في اشارة منه إلى ما سمي«فضيحة تهريب المنح»، كما طالبوا بتحسين وجبات تلاميذ الداخلية، وطالبوا الادارة بالسماح لهم بالقيام بالأنشطة الموازية وتجهيز المؤسسة بقاعات وتجهيزات كافية، ونددوا بتحرش واستغلال بعض الأساتذة وبعض الغرباء بالتلميذات، وانتشار المخدرات بالقرب من الثانوية. وقد أكد مجموعة من تلاميذ ثانوية بومالن دادس للموقع على أن إدارة المؤسسة تتوعد مجموعة من زملائهم بالطرد إن هم استمروا في الاحتجاج.
تلميذة بثانوية الورود كشفت للموقع عن سبب تظاهر التلاميذ قائلة «الوزارة تعاملنا دائما كفئران تجارب تطبق عليهم برامج مستوردة وفي الاخير تعلن فشلها» وأضافت «أن الإدارة استعملت الترهيب لمنع التلاميذ من الاحتجاج»
أحد المدرسين بثانوية بومالن دادس قال لموقع دادس أنفو أن «احتجاج التلاميذ بالمؤسسات التعليمية لا يمكن تفسيرها ببرنامج مسار وحده، لان شعاراتهم تلامس أشياء عديدة.» مدرس اخر قال كيف سنشرح لتلميذ لايجد مرحاضا بمدرسته، ونعطيه ربع خبز محشو برائحة سردين أو حبة بسكويت ذي الجودة الرديئة…أن نقطه ستعبئ معلوماتيا عبر الانترنت ليكون باستطاعه ابيه الذي لا يملك تلفازا أن يطلع على نقطه ويتتبع مساره عبر الحاسوب؟»
بما أن برنامج مسار مجرد منظومة معلوماتية لادخال التكنولوجيا الى التعليم المغربي، ومؤخرا سخرت الدولة كل وسائلها لشرح أهداف وطرق عمله، فلماذا لازال التلاميذ يحتجون؟
ما يمكن أن نخلص إليه من خلال جملة الاراء التي استطلعها الموقع وخلاصات اللقاءات التي أجريناها هو أن هناك ألف مبرر لاعتماد التكنولوجيات في التعليم المغربي من قبيل برنامج مسار، لكن أيضا هناك ألف سبب للاحتجاج عليه من طرف المتعلمين ومن طرف الاباء ومن طرف الاداريين. وما احتجاجات التلاميذ على «مسار» إلا شجرة تخفي رفضا للعديد من الأشياء تمس قطاعا يقال أن الدولة توليه العناية الكبيرة. بالتالي فتقييم البرامج التي تطرحها الوزارة لايجب أن تقييم على ضوء ما إذا وجهت بالاحتجاج أم لا، ولكن بمدى معالجتها لإشكالات ذات الأولوية لاصلاح التعليم.