ولعل نموذج نبيل بن عبد الله يبين هذا التطور الحاصل في فهم الاحتجاج، فهو نفسه من تمت محاصرته وطرده من المركب الثقافي بالناظور بعد إتمامه للقاء التواصلي الذي نظمه في إطار حملة التعبئة من أجل الإستفتاء الدستوري. وهو من ارتطمت برأسه حجارة أسا الزاك ــ الطائشة ــ بمعنى أنه شهد هذا التطور في جميع حالاته.
لكن يبقى السؤال معلقا هل تم الاعتداء على بن عبد الله الوزير أم الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية؟ لأن هناك فرق بين الجلبابين فالأول رجل دولة يؤدي مهامه في إطار القانون و شخصه مصون و محفوظ به و خرجاته محددة في إطار العمل الحكومي و برامجه. و الجلباب الثاني هو جلباب فضفاض يحتمل كل التوقعات و ينضبط لشروط الصراع السياسي و الذي قد يتمظهر في عراك سياسي قد تراق فيه الدماء وقد تكسر فيه الجماجم، لأن الجمود الايديولوجي قد يوحي لصاحبه بارتكاب حماقات في سبيل نصرة فهمه، وفي غياب القدرة على الحوار أو في انعدام شروطه أو امكانياته قد تكون حجرة كافية لبعثرة أوراق الخصم السياسي و إرباك مشاريعه.
قراءة في الاعتداء على ابن عبد الله:
وقع الامر عندما كان نبيل بن عبد الله يهم بالدخول للمركب الثقافي الذي شهد احتفالية حزبه بمرور 70 سنة عن تأسيسه، حيث اتضح من خلال الفيديو الذي نشر مؤخرا أن من هاجمه استغل لحظة حديثه مع الأشخاص الذين اصطفوا أمام المركب للترحيب به فلم يتوانى في قذفه بحجارة متوسطة الحجم كانت كافية لثنيه لبعض الوقت عن نشاطه الحزبي والتعجيل بنقله للمستشفى، ليعود بعد ذلك لترأس التجمع المشار إليه على وقع الصدمة و مرارة التساؤلات.
وقد ربط بيان صدر عن حزب التقدم و الاشتراكية هذا الحادث ب " المواقف الوطنية الملتزمة " لأمينه العام و وصف من وقف خلفه ب "العناصر الطائشة". قد نفهم من هذا، حسب ظن الحزب، أن من هاجمه هو ضد مواقفه الوطنية وقد يكون دافعهم في هذا الظن مكان الحادث وشروطه.
هذا الفهم المعزول و السهل في الاعتماد في مثل هذه الحالات يغطي احتمالات أخرى، لماذا لا يمكن أن يكون من قام بالأمر هو أحد الخصوم السياسيين بغية شل النشاط و قتل كل امكانات اشعاعه حسب القواميس السياسية المعتمدة.
لماذا لم نقل ان من ارتكب الأمر هو مواطن بسيط قاده فهمه البسيط تحت وطأة غلاء الكراء أو تحت زحام دور الصفيح إلى اعتبار أن وزير السكنى هو سبب معاناته فقام بما قام به انتقاما لحاله ولحال من يشاطرونه المعاناة ذاتها.
لماذا لم يقال أن من ارتكب الأمر هو أحد الساخطين على العمل الحكومي والذي رأى في رشق ابن عبد الله قناة لتمرير رسالته الساخطة على عمل الحكومة التي ينتمي إليها ابن عبد الله.
احتمالات عديدة قد تحيط بالأمر وقد تكون أقرب إلى تفسير ما وقع منه إلى التي تضمنها بيان حزب التقدم و الاشتراكية.
لا يختلف اثنان على أن ماوقع هو سلوك منبوذ ولا يزكيه إلا من يقابل نبيل بن عبد الله أو حزبه أو فهمه العداء، لكن ذقنا درعا ولازلنا من تبرير كل شيء ب ــ المواقف الوطنية الملتزمة ــ