نقصد بمشايخ الفتنة إذن أولائك الذين عندما يقع شقاق وخلاف سياسي بين المسلمين يسارعون إلى التخندق والاصطفاف بجانب طرف ضد الطرف الآخر الذي يصورونه في صورة الشيطان، ويسبغون عليه كلّ الخصال الذميمة، وهم بذلك يزيدون النار اشتعالا، والأوضاع الكارثية تفاقما، بما يزرعونه من ضغائن في صدور الناس، وما يرسخونه من شنآن بين الأقرباء والجيران، حيث يخفون أخطاء الطرف الذي يوالونه، ويظهرون مثالب المخالفين وسوءات المعارضين، ويقدمون للناس أنصاف الحقائق فيُضلونهم ويشحوننهم ضد بعضهم البعض.
بطل هؤلاء بدون منازع هو الدكتور يوسف القرضاوي، فقيه البترول، والمرجع في تسويغ السياسة القطرية الهيمنية في الشرق الأوسط، وفي مقابله نجد علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، ومفتي العسكر اليوم وغدا، وبين هذا وذاك طابور من الأعوان والمساعدين أمثال السيد أحمد الريسوني وكثيرين غيره، ممن عوض أن ينظروا إلى الخلاف الدائر بعين العقل وروح الدين تعاملوا بهوى الطائفة والحزب، واتبعوا نوازع السياسة المحض فآزروا القرضاوي "الإخواني" ضد جمعة، ودعم آخرون جمعة ضدّ القرضاوي، ونسوا بأن كل واحد من الطرفين إنما يمثل وجها من وجوه المأزق الخطير، وأن الحقيقة إنما هي في النظر بعين الإنصاف التي لا يمكن أن ينظر بها من تخندق مسبقا في معسكر ما دون النظر إلى الإنسان قبل كل شيء، وإلى ما فيه صالح الأوطان قبل أي اعتبار.
اعتبر السيد الريسوني أن علي جمعة فقد رشده وصوابه، ولكنه لم يقم أبدا بالتعقيب على مواقف القرضاوي الكثيرة التي تدلّ على فقدان تام للبوصلة، وما ذلك إلا لأن الرجل ينتمي إلى نفس التنظيم الذي ينتمي إليه الفقيه الإخواني، فالأمر لا يتعلق بمن ظل وفيا للدين ومن خرج عنه، بل يتعلق بمن ظل بكامل وعيه الإنساني ومن وقع في غلو الانتماء السياسي باستغلال الدين أفحش استغلال.
تظهر الملاسنات بين فقهاء البترول وفقهاء العسكر أنهم وقود للنار المشتعلة، ولن يكون باستطاعتهم أبدا تقديم الحلول الناجعة للأزمة الحالية التي تتجاوزهم، إذ لا حلّ إلا بالديمقراطية التي يُحترم فيها الجميع ويتساوى فيها الجميع، وهي بالتأكيد ليست ضالتهم لأن القصد عندهم أن ينتصر الإخوان أو ينتصر العسكر، وللشعب الكلمة الأولى والأخيرة.