في لقاء سبق أن جمعني بالسيد عبد الإله بنكيران وجها لوجه في برنامج حواري بإحدى الإذاعات الخاصة، مباشرة قبل الانتخابات، كان بيننا خلاف ونقاش حاد حول طبيعة المرحلة وحول الدستور المراجع وطموحات الإسلاميين ودور باقي القوى السياسية، ومدى توفر الشروط الكفيلة بتجاوز مساوئ الماضي، وكنت خلال النقاش لا أتوقف عن تنبيه السيد بنكيران إلى أنه في حالة فوز حزبه في الانتخابات فسيجد نفسه بصفته رئيسا للحكومة عاجزا عن تحقيق أي شيء من الأفكار المثالية التي يتقدم بها ولا يتوقف عن تردادها، ليس فقط بسبب محدودية الدستور مقارنة بالشعارات المعبّر عنها في الشارع، وضعف الثقة الشعبية في إمكان التجاوز والتغيير، بل وبسبب ضعف خبرة الإسلاميين في العمل الحكومي أيضا، وصعوبة إقناعهم بعدم واقعية الكثير من البدائل التي يتصورونها وخاصة منها ما يتعلق بتخليق الحياة السياسية من منطلق ديني.
كنت ألاحظ لدى السيد بنكيران اندفاعا وحماسة ليس سببهما الثقة في المستقبل، ولا وضوح الرؤية، ولا الرغبة في الإصلاح، بل هو فقط تعجل اقتسام كعكة السلطة، والتواجد داخل دوائر القرار، التي كان يعتقد أن من شأن المشاركة في الحكومة أن تفتح له أبوابها. ورغم النزوع اليميني المفرط الذي أظهره السيد بنكيران سواء ضد حركة الشارع المغربي أو ضدّ أي نقد لجوهر الخلل الكامن في طبيعة النسق السياسي المغربي، إلا أنه لم يكن يتصور بالتأكيد أن الدوائر ستدور عليه بهذا الشكل المهين، الذي جعله يشارك بحيوية في تحويل السياسة إلى ملهاة مرة، أكثر ميوعة من أي وقت مضى.
ليس لي وأنا أتأمل تشكيلة حكومة بنكيران الثانية إلا أن أهنئ الدكتور سعد الدين العثماني، الرجل النظبف والمستقيم حقا، على مغادرته لسفينة لا يبدو أن لها حظ العودة سالمة من بحر الظلمات الذي تمخر عبابه نحو المجهول.
إن الصفعات التي ظل يتلقاها بنكيران على مدى عامين من رئاسته للحكومة، تؤكد صحة ما ذهبنا إليه قبل عامين، كما تثبت خطأ التقديرات التي استند إليها قياديو حزب المصباح، وقد يصبح المبرّر الوحيد لبقائهم في الحكومة هو عدم التنازل عن مقاعدهم، أما الاستمرار في إيهام الناس بوجود مشروع إصلاحي لم يتحقق بعد وسيرى النور في مستقبل الأيام، فسيكون ذلك استبلادا للمغاربة.