تزايدت حالات التدخل العنيف للسلطة بشكل ملحوظ، وشملت مختلف الشرائح والفئات المتظاهرة في الشارع، بل إنها لم تستثن الصحفيين والإعلاميين أيضا الذين نالوا نصيبهم من الإهانة أكثر من مرة، ويظل مصدر العنف دائما شبحيا في الدولة، حيث تصدر الأوامر لضرب المتظاهرين دون أن يُعرف بالتحديد من المسئول عن ذلك، بل في معظم الأحيان لا يعرف وزير الداخلية نفسه ما يجري بهذا الصدد، مما يعني أن شعار ربط المسئولية بالمحاسبة قد يكون بلا معنى في حالة عنف السلطة الذي يتجاوز كل الحدود. كما أنّ من الملاحظ انعدام التحقيقات الرامية إلى بيان ما يجري وتحديد المسؤوليات وإنصاف المتضرّرين، إذ لا يمكن للدولة أن تمارس العنف وتتبرأ منه في خطابها، كما ليس مقبولا أن تعمد الحكومة إلى تبرير العنف الصادر عن جهات أخرى في الدولة، لأنّ هذا يجعلها تنخرط في نفس اللعبة القديمة، لعبة "المخزن" الذي لا يتغيّر.
يؤشر هذا الواقع إلى وضعية ارتباك واضطراب كبيرين في سلوك السلطة، حيث يعني من الناحية العملية أن لا شيء تغير من آليات السلطة المعتمدة، بينما تسعى السلطة إلى إقناع الناس، وإقناع نفسها بأن التغيير قد حصل وانتهى الأمر، وعلى الناس أن يخلدوا إلى السكينة، ويسلموا قيادهم للحكام الذين يسوسونهم بالحكمة والعدل، وهو للأسف منظور أبعد ما يكون عن الواقع.
تعتمد السلطوية على القرارات الفوقية والشفوية غير القابلة للمحاسبة، وتبتعد عن المساطر المعتادة، كما تعتمد الخرق السافر للقانون لأنها تتخذ خارج الحكومة والبرلمان، باعتبارها الأسلوب الوحيد لمواجهة احتقان الواقع وتسوية مشكل الاحتجاج، الذي يصرّ على الاستمرار، والذي يرجع في الواقع إلى انسداد الآفاق، وعدم الوفاء بالتعهدات، سواء منها تلك التي أخذتها الحكومة على عاتقها، أو تلك التي تعدّ بمثابة شعارات عامة للدولة، بل وللمرحلة ككل.
لا شك أن الاستقرار هو أساس التنمية والبناء الديمقراطي، لكن ثمة فرق بين الاستقرار الطبيعي والاستقرار القسري، فالأول يقوم على الترسيخ الديمقراطي وعقلنة تسيير المؤسسات، ومحاربة الفساد واحترام الحريات وفصل السلط، وهي آليات دولة القانون، بينما يقوم الثاني على عنف القبضة الحديدية الذي يجعل منه استقرارا هشا وغير منتج.