القائمة

أخبار

إيبيزا... حين كانت نقطة وصل بين الأندلس وشمال إفريقيا

قبل أن تبدأ مناطق النفوذ الأندلسي بالتراجع مع اقتراب نهاية مرحلة الاسترداد، التي توجت بسقوط غرناطة عام 1492، كانت الخلافة الإسلامية قد وسّعت حضورها إلى ما وراء شبه الجزيرة الإيبيرية، لتشمل مناطق أخرى عبر الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. وفي هذا السياق، شكّلت جزر البليار — وعلى وجه الخصوص إيبيزا — إحدى أبرز نقاط هذا الامتداد، حيث شهدت حضورًا إسلاميًا بارزًا بين القرنين العاشر والثالث عشر.

نشر
دالت فيلا، المدينة المحصنة في إيبيزا
مدة القراءة: 19'

قبل أن تصبح إيبيزا واحدة من أبرز الوجهات السياحية في أرخبيل جزر البليار، كانت معروفة بتاريخها المشترك مع الأندلس. ففي الفترة الممتدة بين القرنين العاشر والثالث عشر، خضعت الجزيرة لتأثير إمارة قرطبة، ما جعلها امتدادًا طبيعيًا للخلافة الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية. ورغم قلة الإشارات إلى هذا الوجود في المصادر العربية، فإن مصادر أخرى توثق وجود تنظيم اجتماعي مسلم في المنطقة، استنادًا إلى المكتشفات الأثرية، كالفخار العتيق في ألمودينا والعديد من الشظايا التي تعود إلى ما قبل القرن العاشر، والتي تم العثور عليها في مواقع دالت فيلا.

غير أن اهتمام الخلافات الإسلامية بجزر البليار، بما في ذلك إيبيزا، سبق القرن العاشر بوقت طويل. فقد أطلق المسلمون على الجزيرة اسم "يابسة" (بمعنى «الأرض» بالعربية)، ومنذ عام 707، بدأ الأمويون شن غاراتهم على الأرخبيل. وتُظهر الاكتشافات النقدية أدلة على هذا الحضور المبكر، خاصة في منطقة سا كوما، حيث عُثر على عملات يُعتقد أنها ضُربت في الربع الأول من القرن الثامن. ومع ذلك، لم يُؤسس وجود إسلامي مستقر إلا بعد نحو قرنين، ويُعتبر عصام الجولاني أول والٍ مسلم على الجزيرة سنة 903.

موقع استراتيجي في قلب البحر

ظلت إيبيزا تحت الحكم الأندلسي حتى عام 1229، وشكّلت موقعًا استراتيجيًا في منتصف الطريق بين شبه الجزيرة الإيبيرية وشمال إفريقيا. وقد اشتهرت بقصرها الملكي في ألمودينا، الذي يُجسد مزيجًا فريدًا من التأثيرات الأندلسية الإسلامية والطراز القوطي المسيحي. ويُحافظ على هذا الإرث التاريخي اليوم من خلال «المدينة» المحصنة في إيبيزا، ومركز المعلومات "مدينة يابسة" في دالت فيلا، المقام في مبنى بيت الكوريا (Casa de la Curia).

وتنعكس آثار هذا الماضي الأندلسي في التحصينات المضافة لدعم الأسوار، والمزارع التي طُورت في الأرياف، إلى جانب شبكة البنى التحتية المائية، التي تميزت بابتكاراتها في مجال توزيع وإدارة المياه، وهي ابتكارات استمرت حتى بعد سقوط غرناطة عام 1492.

بفضل موقعها الجغرافي، لعبت إيبيزا دورًا في التوسع الإسلامي عبر البحر، فكانت قاعدة انطلاق نحو مناطق مثل سانت تروبيه، ومركزها البحري فراكسينيت، وحتى جزيرة صقلية خلال نفس الحقبة. وإلى جانب إمكاناتها العسكرية، أدّت الجزيرة أيضًا دورًا تجاريًا وثقافيًا لحكام الأندلس، الذين أنشأوا فيها نظامًا اجتماعيًا مشابهًا لذلك المعتمد في بقية الأندلس، وإن كان أقل حضورًا من حيث البنية المعمارية.

وفي هذا السياق، تبرز واحدة من أبرز الإشارات إلى إيبيزا في العصر الأندلسي لدى الرحالة والجغرافي المقدسي (946–988)، الذي ذكر "يابسة" ضمن قائمة تضم 18 عاصمة أندلسية، في مؤلفه عن الغرب الإسلامي في القرن العاشر.

خلال القرنين العاشر والحادي عشر، شهدت الأنشطة الزراعية والتجارية في جزر البليار تحوّلًا كبيرًا. فقد أصبحت الجزر تُعرف بخصوبة أراضيها، مما كان له تأثير بالغ على البنى التحتية وأنماط العيش والعادات الغذائية وسائر الممارسات اليومية. ومن بين الشواهد الباقية على الماضي الأندلسي في إيبيزا، نذكر حقول سيس فيكسيس (Ses Feixes) وإس برول دي بوسكاستيل (Es Broll de Buscastell)، حيث اشتهرت الأولى بأنها كانت بمثابة "مخزن الحبوب" للجزر، إذ وفّرت جزءًا كبيرًا من الفواكه والخضروات المستهلكة في المنطقة.

تاريخ: كيف شكّلَت الخبرة الزراعية العربية الزراعة الأندلسية

نموذج عن التنظيم الاجتماعي الأندلسي في جزر البليار

في هذه الفترة نفسها، ازدهرت التجارة الزراعية، لا سيما في مجال الفواكه وزيت الزيتون والملح، الذي كان يُسوّق في مختلف أرجاء الأندلس وأوروبا. كما شهدت تربية البغال المحلية تطورًا ملحوظًا، ضمن تنظيم تأثر بالممارسات الإسلامية ثم واصل المسيحيون الذين استقروا لاحقًا في المنطقة اعتمادها. وقد تركت اللغة العربية أثرها في اللغة الكاتالانية، حتى في مصطلحات الري وأسماء النباتات والغطاء النباتي.

وقد تحوّلت هذه الأراضي لاحقًا إلى حقول لزراعة قصب السكر، واحتفظت بطابعها الزراعي المتنوع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت تضم أكثر من مئة قطعة أرض مزوّدة بأقواس مبيّضة بالجير، تركتها العائلات المسلمة التي سكنتها. وتتشابه هذه الأنشطة مع ما كان سائدًا في الزراعة الأندلسية داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا في بعض المناطق من المغرب الحالي، إذ كانت كل قطعة أرض تحاط بشبكة تغذيها منابع متعددة من المياه تُستخدم لري المزروعات عبر خاصية "الارتشاح الشعيري".

وتُشير المصادر إلى أن سيس فيكسيس كانت تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين: إس براتيت (Es Pratet) بالقرب من وسط المدينة الحالي، وإس برات دي سيس مونجيس (Es Prat de Ses Monges)، بين خلجاني إيبيزا وتالامانكا. وبفعل عمليات البيع والتوريث، لم يتبقّ من هذه الأراضي اليوم سوى أجزاء متفرقة تملكها نحو ستين عائلة، لا تزال أنماط استخدامها تحتفظ بملامح التنظيم الذكي الذي كان سائدًا سابقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتوزيع المياه. وتُعد منطقة بلافيا (Balafia) من أقدم القرى في إيبيزا، وتُرجَّح أصولها إلى الحقبة الإسلامية؛ إذ بدأت كمجموعة من المنازل، ثم توسعت لتضم مزارع ومطاحن وأفران وآبارًا موريسكية.

تاريخ: الماء، عنصر محوري في التنظيم الاجتماعي الأندلسي

لكن الوجود الإسلامي في جزر البليار لم يقتصر على إيبيزا، بل تجلّى أيضًا في مناطق أخرى معروفة من الأرخبيل. فقد أصبحت بالما عاصمة جزيرة مايوركا تحت الحكم الأندلسي، وكانت تُعرف باسم مدينة ميورقة (Madina Mayurqa). أما الحمامات العربية (Banys Arabs) فهي منشأة إسلامية تقليدية لا تزال قائمة، تعكس تقاليد الحمامات العامة الإسلامية التي انتشرت في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أما متحف الأسقفية في بالما، وهو موقع ديني مسيحي، فيحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية العربية والموزارابية، في حين تجسد حدائق ألفابيا (Jardins d’Alfabia) نمط البستنة الذي ازدهر حتى مطلع القرن الثالث عشر في مختلف أنحاء المنطقة. غير أن التوترات السياسية وتراجع سلطة الأندلس أسهما في انحدار الوجود الإسلامي بجزر البليار، شأنها في ذلك شأن سائر مناطق شبه الجزيرة.

ومع تقدم عملية الاسترداد المسيحي التي اكتملت في القرن الخامس عشر، أصبحت مناطق الأرخبيل تحت سيطرة التاج المسيحي. ففي عام 1229، استولى جاك الأول ملك أراغون على الجزر، وبعد أن أتمّ غزو مايوركا، استولى على بالما في 31 ديسمبر من تلك السنة.
 
 
 
 

خلال القرنين العاشر والحادي عشر، شهدت الأنشطة الزراعية والتجارية في جزر البليار تحوّلًا كبيرًا. فقد أصبحت الجزر تُعرف بخصوبة أراضيها، مما كان له تأثير بالغ على البنى التحتية وأنماط العيش والعادات الغذائية وسائر الممارسات اليومية. ومن بين الشواهد الباقية على الماضي الأندلسي في إيبيزا، نذكر حقول سيس فيكسيس (Ses Feixes) وإس برول دي بوسكاستيل (Es Broll de Buscastell)، حيث اشتهرت الأولى بأنها كانت بمثابة "مخزن الحبوب" للجزر، إذ وفّرت جزءًا كبيرًا من الفواكه والخضروات المستهلكة في المنطقة.

تاريخ: كيف شكّلَت الخبرة الزراعية العربية الزراعة الأندلسية

نموذج عن التنظيم الاجتماعي الأندلسي في جزر البليار

في هذه الفترة نفسها، ازدهرت التجارة الزراعية، لا سيما في مجال الفواكه وزيت الزيتون والملح، الذي كان يُسوّق في مختلف أرجاء الأندلس وأوروبا. كما شهدت تربية البغال المحلية تطورًا ملحوظًا، ضمن تنظيم تأثر بالممارسات الإسلامية ثم واصل المسيحيون الذين استقروا لاحقًا في المنطقة اعتمادها. وقد تركت اللغة العربية أثرها في اللغة الكاتالانية، حتى في مصطلحات الري وأسماء النباتات والغطاء النباتي.

وقد تحوّلت هذه الأراضي لاحقًا إلى حقول لزراعة قصب السكر، واحتفظت بطابعها الزراعي المتنوع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت تضم أكثر من مئة قطعة أرض مزوّدة بأقواس مبيّضة بالجير، تركتها العائلات المسلمة التي سكنتها. وتتشابه هذه الأنشطة مع ما كان سائدًا في الزراعة الأندلسية داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا في بعض المناطق من المغرب الحالي، إذ كانت كل قطعة أرض تحاط بشبكة تغذيها منابع متعددة من المياه تُستخدم لري المزروعات عبر خاصية "الارتشاح الشعيري".

وتُشير المصادر إلى أن سيس فيكسيس كانت تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين: إس براتيت (Es Pratet) بالقرب من وسط المدينة الحالي، وإس برات دي سيس مونجيس (Es Prat de Ses Monges)، بين خلجاني إيبيزا وتالامانكا. وبفعل عمليات البيع والتوريث، لم يتبقّ من هذه الأراضي اليوم سوى أجزاء متفرقة تملكها نحو ستين عائلة، لا تزال أنماط استخدامها تحتفظ بملامح التنظيم الذكي الذي كان سائدًا سابقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتوزيع المياه. وتُعد منطقة بلافيا (Balafia) من أقدم القرى في إيبيزا، وتُرجَّح أصولها إلى الحقبة الإسلامية؛ إذ بدأت كمجموعة من المنازل، ثم توسعت لتضم مزارع ومطاحن وأفران وآبارًا موريسكية.

تاريخ: الماء، عنصر محوري في التنظيم الاجتماعي الأندلسي

لكن الوجود الإسلامي في جزر البليار لم يقتصر على إيبيزا، بل تجلّى أيضًا في مناطق أخرى معروفة من الأرخبيل. فقد أصبحت بالما عاصمة جزيرة مايوركا تحت الحكم الأندلسي، وكانت تُعرف باسم مدينة ميورقة (Madina Mayurqa). أما الحمامات العربية (Banys Arabs) فهي منشأة إسلامية تقليدية لا تزال قائمة، تعكس تقاليد الحمامات العامة الإسلامية التي انتشرت في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أما متحف الأسقفية في بالما، وهو موقع ديني مسيحي، فيحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية العربية والموزارابية، في حين تجسد حدائق ألفابيا (Jardins d’Alfabia) نمط البستنة الذي ازدهر حتى مطلع القرن الثالث عشر في مختلف أنحاء المنطقة. غير أن التوترات السياسية وتراجع سلطة الأندلس أسهما في انحدار الوجود الإسلامي بجزر البليار، شأنها في ذلك شأن سائر مناطق شبه الجزيرة.

ومع تقدم عملية الاسترداد المسيحي التي اكتملت في القرن الخامس عشر، أصبحت مناطق الأرخبيل تحت سيطرة التاج المسيحي. ففي عام 1229، استولى جاك الأول ملك أراغون على الجزر، وبعد أن أتمّ غزو مايوركا، استولى على بالما في 31 ديسمبر من تلك السنة.
 
 
 
 

خلال القرنين العاشر والحادي عشر، شهدت الأنشطة الزراعية والتجارية في جزر البليار تحوّلًا كبيرًا. فقد أصبحت الجزر تُعرف بخصوبة أراضيها، مما كان له تأثير بالغ على البنى التحتية وأنماط العيش والعادات الغذائية وسائر الممارسات اليومية. ومن بين الشواهد الباقية على الماضي الأندلسي في إيبيزا، نذكر حقول سيس فيكسيس (Ses Feixes) وإس برول دي بوسكاستيل (Es Broll de Buscastell)، حيث اشتهرت الأولى بأنها كانت بمثابة "مخزن الحبوب" للجزر، إذ وفّرت جزءًا كبيرًا من الفواكه والخضروات المستهلكة في المنطقة.

تاريخ: كيف شكّلَت الخبرة الزراعية العربية الزراعة الأندلسية

نموذج عن التنظيم الاجتماعي الأندلسي في جزر البليار

في هذه الفترة نفسها، ازدهرت التجارة الزراعية، لا سيما في مجال الفواكه وزيت الزيتون والملح، الذي كان يُسوّق في مختلف أرجاء الأندلس وأوروبا. كما شهدت تربية البغال المحلية تطورًا ملحوظًا، ضمن تنظيم تأثر بالممارسات الإسلامية ثم واصل المسيحيون الذين استقروا لاحقًا في المنطقة اعتمادها. وقد تركت اللغة العربية أثرها في اللغة الكاتالانية، حتى في مصطلحات الري وأسماء النباتات والغطاء النباتي.

وقد تحوّلت هذه الأراضي لاحقًا إلى حقول لزراعة قصب السكر، واحتفظت بطابعها الزراعي المتنوع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت تضم أكثر من مئة قطعة أرض مزوّدة بأقواس مبيّضة بالجير، تركتها العائلات المسلمة التي سكنتها. وتتشابه هذه الأنشطة مع ما كان سائدًا في الزراعة الأندلسية داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا في بعض المناطق من المغرب الحالي، إذ كانت كل قطعة أرض تحاط بشبكة تغذيها منابع متعددة من المياه تُستخدم لري المزروعات عبر خاصية "الارتشاح الشعيري".

وتُشير المصادر إلى أن سيس فيكسيس كانت تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين: إس براتيت (Es Pratet) بالقرب من وسط المدينة الحالي، وإس برات دي سيس مونجيس (Es Prat de Ses Monges)، بين خلجاني إيبيزا وتالامانكا. وبفعل عمليات البيع والتوريث، لم يتبقّ من هذه الأراضي اليوم سوى أجزاء متفرقة تملكها نحو ستين عائلة، لا تزال أنماط استخدامها تحتفظ بملامح التنظيم الذكي الذي كان سائدًا سابقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتوزيع المياه. وتُعد منطقة بلافيا (Balafia) من أقدم القرى في إيبيزا، وتُرجَّح أصولها إلى الحقبة الإسلامية؛ إذ بدأت كمجموعة من المنازل، ثم توسعت لتضم مزارع ومطاحن وأفران وآبارًا موريسكية.

تاريخ: الماء، عنصر محوري في التنظيم الاجتماعي الأندلسي

لكن الوجود الإسلامي في جزر البليار لم يقتصر على إيبيزا، بل تجلّى أيضًا في مناطق أخرى معروفة من الأرخبيل. فقد أصبحت بالما عاصمة جزيرة مايوركا تحت الحكم الأندلسي، وكانت تُعرف باسم مدينة ميورقة (Madina Mayurqa). أما الحمامات العربية (Banys Arabs) فهي منشأة إسلامية تقليدية لا تزال قائمة، تعكس تقاليد الحمامات العامة الإسلامية التي انتشرت في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أما متحف الأسقفية في بالما، وهو موقع ديني مسيحي، فيحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية العربية والموزارابية، في حين تجسد حدائق ألفابيا (Jardins d’Alfabia) نمط البستنة الذي ازدهر حتى مطلع القرن الثالث عشر في مختلف أنحاء المنطقة. غير أن التوترات السياسية وتراجع سلطة الأندلس أسهما في انحدار الوجود الإسلامي بجزر البليار، شأنها في ذلك شأن سائر مناطق شبه الجزيرة.

ومع تقدم عملية الاسترداد المسيحي التي اكتملت في القرن الخامس عشر، أصبحت مناطق الأرخبيل تحت سيطرة التاج المسيحي. ففي عام 1229، استولى جاك الأول ملك أراغون على الجزر، وبعد أن أتمّ غزو مايوركا، استولى على بالما في 31 ديسمبر من تلك السنة.
 
 
 

خلال القرنين العاشر والحادي عشر، شهدت الأنشطة الزراعية والتجارية في جزر البليار تحوّلًا كبيرًا. فقد أصبحت الجزر تُعرف بخصوبة أراضيها، مما كان له تأثير بالغ على البنى التحتية وأنماط العيش والعادات الغذائية وسائر الممارسات اليومية. ومن بين الشواهد الباقية على الماضي الأندلسي في إيبيزا، نذكر حقول سيس فيكسيس (Ses Feixes) وإس برول دي بوسكاستيل (Es Broll de Buscastell)، حيث اشتهرت الأولى بأنها كانت بمثابة "مخزن الحبوب" للجزر، إذ وفّرت جزءًا كبيرًا من الفواكه والخضروات المستهلكة في المنطقة.

تاريخ: كيف شكّلَت الخبرة الزراعية العربية الزراعة الأندلسية

نموذج عن التنظيم الاجتماعي الأندلسي في جزر البليار

في هذه الفترة نفسها، ازدهرت التجارة الزراعية، لا سيما في مجال الفواكه وزيت الزيتون والملح، الذي كان يُسوّق في مختلف أرجاء الأندلس وأوروبا. كما شهدت تربية البغال المحلية تطورًا ملحوظًا، ضمن تنظيم تأثر بالممارسات الإسلامية ثم واصل المسيحيون الذين استقروا لاحقًا في المنطقة اعتمادها. وقد تركت اللغة العربية أثرها في اللغة الكاتالانية، حتى في مصطلحات الري وأسماء النباتات والغطاء النباتي.

وقد تحوّلت هذه الأراضي لاحقًا إلى حقول لزراعة قصب السكر، واحتفظت بطابعها الزراعي المتنوع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت تضم أكثر من مئة قطعة أرض مزوّدة بأقواس مبيّضة بالجير، تركتها العائلات المسلمة التي سكنتها. وتتشابه هذه الأنشطة مع ما كان سائدًا في الزراعة الأندلسية داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا في بعض المناطق من المغرب الحالي، إذ كانت كل قطعة أرض تحاط بشبكة تغذيها منابع متعددة من المياه تُستخدم لري المزروعات عبر خاصية "الارتشاح الشعيري".

وتُشير المصادر إلى أن سيس فيكسيس كانت تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين: إس براتيت (Es Pratet) بالقرب من وسط المدينة الحالي، وإس برات دي سيس مونجيس (Es Prat de Ses Monges)، بين خلجاني إيبيزا وتالامانكا. وبفعل عمليات البيع والتوريث، لم يتبقّ من هذه الأراضي اليوم سوى أجزاء متفرقة تملكها نحو ستين عائلة، لا تزال أنماط استخدامها تحتفظ بملامح التنظيم الذكي الذي كان سائدًا سابقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتوزيع المياه. وتُعد منطقة بلافيا (Balafia) من أقدم القرى في إيبيزا، وتُرجَّح أصولها إلى الحقبة الإسلامية؛ إذ بدأت كمجموعة من المنازل، ثم توسعت لتضم مزارع ومطاحن وأفران وآبارًا موريسكية.

تاريخ: الماء، عنصر محوري في التنظيم الاجتماعي الأندلسي

لكن الوجود الإسلامي في جزر البليار لم يقتصر على إيبيزا، بل تجلّى أيضًا في مناطق أخرى معروفة من الأرخبيل. فقد أصبحت بالما عاصمة جزيرة مايوركا تحت الحكم الأندلسي، وكانت تُعرف باسم مدينة ميورقة (Madina Mayurqa). أما الحمامات العربية (Banys Arabs) فهي منشأة إسلامية تقليدية لا تزال قائمة، تعكس تقاليد الحمامات العامة الإسلامية التي انتشرت في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أما متحف الأسقفية في بالما، وهو موقع ديني مسيحي، فيحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية العربية والموزارابية، في حين تجسد حدائق ألفابيا (Jardins d’Alfabia) نمط البستنة الذي ازدهر حتى مطلع القرن الثالث عشر في مختلف أنحاء المنطقة. غير أن التوترات السياسية وتراجع سلطة الأندلس أسهما في انحدار الوجود الإسلامي بجزر البليار، شأنها في ذلك شأن سائر مناطق شبه الجزيرة.

ومع تقدم عملية الاسترداد المسيحي التي اكتملت في القرن الخامس عشر، أصبحت مناطق الأرخبيل تحت سيطرة التاج المسيحي. ففي عام 1229، استولى جاك الأول ملك أراغون على الجزر، وبعد أن أتمّ غزو مايوركا، استولى على بالما في 31 ديسمبر من تلك السنة.

خلال القرنين العاشر والحادي عشر، شهدت الأنشطة الزراعية والتجارية في جزر البليار تحوّلًا كبيرًا. فقد أصبحت الجزر تُعرف بخصوبة أراضيها، مما كان له تأثير بالغ على البنى التحتية وأنماط العيش والعادات الغذائية وسائر الممارسات اليومية. ومن بين الشواهد الباقية على الماضي الأندلسي في إيبيزا، نذكر حقول سيس فيكسيس (Ses Feixes) وإس برول دي بوسكاستيل (Es Broll de Buscastell)، حيث اشتهرت الأولى بأنها كانت بمثابة "مخزن الحبوب" للجزر، إذ وفّرت جزءًا كبيرًا من الفواكه والخضروات المستهلكة في المنطقة.

تاريخ: كيف شكّلَت الخبرة الزراعية العربية الزراعة الأندلسية

نموذج عن التنظيم الاجتماعي الأندلسي في جزر البليار

في هذه الفترة نفسها، ازدهرت التجارة الزراعية، لا سيما في مجال الفواكه وزيت الزيتون والملح، الذي كان يُسوّق في مختلف أرجاء الأندلس وأوروبا. كما شهدت تربية البغال المحلية تطورًا ملحوظًا، ضمن تنظيم تأثر بالممارسات الإسلامية ثم واصل المسيحيون الذين استقروا لاحقًا في المنطقة اعتمادها. وقد تركت اللغة العربية أثرها في اللغة الكاتالانية، حتى في مصطلحات الري وأسماء النباتات والغطاء النباتي.

وقد تحوّلت هذه الأراضي لاحقًا إلى حقول لزراعة قصب السكر، واحتفظت بطابعها الزراعي المتنوع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت تضم أكثر من مئة قطعة أرض مزوّدة بأقواس مبيّضة بالجير، تركتها العائلات المسلمة التي سكنتها. وتتشابه هذه الأنشطة مع ما كان سائدًا في الزراعة الأندلسية داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا في بعض المناطق من المغرب الحالي، إذ كانت كل قطعة أرض تحاط بشبكة تغذيها منابع متعددة من المياه تُستخدم لري المزروعات عبر خاصية "الارتشاح الشعيري".

وتُشير المصادر إلى أن سيس فيكسيس كانت تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين: إس براتيت (Es Pratet) بالقرب من وسط المدينة الحالي، وإس برات دي سيس مونجيس (Es Prat de Ses Monges)، بين خلجاني إيبيزا وتالامانكا. وبفعل عمليات البيع والتوريث، لم يتبقّ من هذه الأراضي اليوم سوى أجزاء متفرقة تملكها نحو ستين عائلة، لا تزال أنماط استخدامها تحتفظ بملامح التنظيم الذكي الذي كان سائدًا سابقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتوزيع المياه. وتُعد منطقة بلافيا (Balafia) من أقدم القرى في إيبيزا، وتُرجَّح أصولها إلى الحقبة الإسلامية؛ إذ بدأت كمجموعة من المنازل، ثم توسعت لتضم مزارع ومطاحن وأفران وآبارًا موريسكية.

تاريخ: الماء، عنصر محوري في التنظيم الاجتماعي الأندلسي

لكن الوجود الإسلامي في جزر البليار لم يقتصر على إيبيزا، بل تجلّى أيضًا في مناطق أخرى معروفة من الأرخبيل. فقد أصبحت بالما عاصمة جزيرة مايوركا تحت الحكم الأندلسي، وكانت تُعرف باسم مدينة ميورقة (Madina Mayurqa). أما الحمامات العربية (Banys Arabs) فهي منشأة إسلامية تقليدية لا تزال قائمة، تعكس تقاليد الحمامات العامة الإسلامية التي انتشرت في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أما متحف الأسقفية في بالما، وهو موقع ديني مسيحي، فيحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية العربية والموزارابية، في حين تجسد حدائق ألفابيا (Jardins d’Alfabia) نمط البستنة الذي ازدهر حتى مطلع القرن الثالث عشر في مختلف أنحاء المنطقة. غير أن التوترات السياسية وتراجع سلطة الأندلس أسهما في انحدار الوجود الإسلامي بجزر البليار، شأنها في ذلك شأن سائر مناطق شبه الجزيرة.

ومع تقدم عملية الاسترداد المسيحي التي اكتملت في القرن الخامس عشر، أصبحت مناطق الأرخبيل تحت سيطرة التاج المسيحي. ففي عام 1229، استولى جاك الأول ملك أراغون على الجزر، وبعد أن أتمّ غزو مايوركا، استولى على بالما في 31 ديسمبر من تلك السنة.

ازدهار زراعي وتجاري

خلال القرنين العاشر والحادي عشر، شهدت الأنشطة الزراعية والتجارية في جزر البليار تحوّلًا كبيرًا. فقد أصبحت الجزر تُعرف بخصوبة أراضيها، مما كان له تأثير بالغ على البنى التحتية وأنماط العيش والعادات الغذائية وسائر الممارسات اليومية. ومن بين الشواهد الباقية على الماضي الأندلسي في إيبيزا، نذكر حقول سيس فيكسيس (Ses Feixes) وإس برول دي بوسكاستيل (Es Broll de Buscastell)، حيث اشتهرت الأولى بأنها كانت بمثابة "مخزن الحبوب" للجزر، إذ وفّرت جزءًا كبيرًا من الفواكه والخضروات المستهلكة في المنطقة.

نموذج عن التنظيم الاجتماعي الأندلسي في جزر البليار

في هذه الفترة نفسها، ازدهرت التجارة الزراعية، لا سيما في مجال الفواكه وزيت الزيتون والملح، الذي كان يُسوّق في مختلف أرجاء الأندلس وأوروبا. كما شهدت تربية البغال المحلية تطورًا ملحوظًا، ضمن تنظيم تأثر بالممارسات الإسلامية ثم واصل المسيحيون الذين استقروا لاحقًا في المنطقة اعتمادها. وقد تركت اللغة العربية أثرها في اللغة الكاتالانية، حتى في مصطلحات الري وأسماء النباتات والغطاء النباتي.

وقد تحوّلت هذه الأراضي لاحقًا إلى حقول لزراعة قصب السكر، واحتفظت بطابعها الزراعي المتنوع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت تضم أكثر من مئة قطعة أرض مزوّدة بأقواس مبيّضة بالجير، تركتها العائلات المسلمة التي سكنتها. وتتشابه هذه الأنشطة مع ما كان سائدًا في الزراعة الأندلسية داخل شبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا في بعض المناطق من المغرب الحالي، إذ كانت كل قطعة أرض تحاط بشبكة تغذيها منابع متعددة من المياه تُستخدم لري المزروعات عبر خاصية "الارتشاح الشعيري".

وتُشير المصادر إلى أن سيس فيكسيس كانت تنقسم إلى منطقتين رئيسيتين: إس براتيت (Es Pratet) بالقرب من وسط المدينة الحالي، وإس برات دي سيس مونجيس (Es Prat de Ses Monges)، بين خلجاني إيبيزا وتالامانكا. وبفعل عمليات البيع والتوريث، لم يتبقّ من هذه الأراضي اليوم سوى أجزاء متفرقة تملكها نحو ستين عائلة، لا تزال أنماط استخدامها تحتفظ بملامح التنظيم الذكي الذي كان سائدًا سابقًا، خصوصًا في ما يتعلق بتوزيع المياه. وتُعد منطقة بلافيا (Balafia) من أقدم القرى في إيبيزا، وتُرجَّح أصولها إلى الحقبة الإسلامية؛ إذ بدأت كمجموعة من المنازل، ثم توسعت لتضم مزارع ومطاحن وأفران وآبارًا موريسكية.

لكن الوجود الإسلامي في جزر البليار لم يقتصر على إيبيزا، بل تجلّى أيضًا في مناطق أخرى معروفة من الأرخبيل. فقد أصبحت بالما عاصمة جزيرة مايوركا تحت الحكم الأندلسي، وكانت تُعرف باسم مدينة ميورقة (Madina Mayurqa). أما الحمامات العربية (Banys Arabs) فهي منشأة إسلامية تقليدية لا تزال قائمة، تعكس تقاليد الحمامات العامة الإسلامية التي انتشرت في أوروبا خلال العصور الوسطى.

أما متحف الأسقفية في بالما، وهو موقع ديني مسيحي، فيحتفظ بعدد كبير من القطع الأثرية العربية والموزارابية، في حين تجسد حدائق ألفابيا (Jardins d’Alfabia) نمط البستنة الذي ازدهر حتى مطلع القرن الثالث عشر في مختلف أنحاء المنطقة. غير أن التوترات السياسية وتراجع سلطة الأندلس أسهما في انحدار الوجود الإسلامي بجزر البليار، شأنها في ذلك شأن سائر مناطق شبه الجزيرة.

ومع تقدم عملية الاسترداد المسيحي التي اكتملت في القرن الخامس عشر، أصبحت مناطق الأرخبيل تحت سيطرة التاج المسيحي. ففي عام 1229، استولى جاك الأول ملك أراغون على الجزر، وبعد أن أتمّ غزو مايوركا، استولى على بالما في 31 ديسمبر من تلك السنة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال