القائمة

أخبار

كيف كان المغاربة يصطادون أسود الأطلس عندما كانت تجوب البرية؟

في المغرب، لم يكن صيد الأسود مجرد مغامرة، بل عملية معقدة تنطوي على حفر عميقة وفخاخ محكمة تُنصب بعناية. وكان يُحرص على أسر هذه الحيوانات حيّة، ليس فقط بهدف التخلص من خطرها، بل أيضًا لاستخدامها في سياقات سياسية ودبلوماسية—سواء كهدايا تُقدم إلى البلاطات الأجنبية، أو كأدوات ترهيب تُظهر هيبة السلطة وتُثير الرهبة في النفوس.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

تحتل أسود الأطلس مكانة مركزية في هوية وتاريخ المغرب. ففي الماضي، كانت تجوب بحرية غابات البلاد وجبال الأطلس حتى أوائل القرن العشرين، قبل أن تنقرض من البرية. أما اليوم، فقد أصبح هذا الاسم شعارًا يحمله المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، في تجسيد حي لرمز القوة والشجاعة الذي ظل حاضرًا في الذاكرة الجماعية.

لكن قبل أن تتحول إلى مصدر للفخر الوطني، كانت هذه الأسود تُخشى وتُطارد من طرف السكان، لما كانت تمثله من خطر داهم، خصوصًا في المناطق الجبلية والغابوية.

في القرن السادس عشر، كانت الأسود لا تزال تشكل تهديدًا حقيقيًا، خاصة في نواحي المامورة وتيفلت، حيث كان المسافرون يتخذون احتياطات خاصة عند عبور تلك المناطق. وقد أشار الدبلوماسي والرحالة الشهير حسن الوزّان، المعروف في أوروبا باسم يوحنا الإفريقي (Johannes Leo Africanus)، إلى تباين طباع هذه الحيوانات؛ فبينما كانت بعض الأسود شرسة وعدوانية، كانت أخرى – كما في منطقة تطوان – "جبانة بطبعها لدرجة أن صراخ الأطفال كان يكفي لإخافتها ودفعها إلى الفرار".

اصطياد الأسد الأطلسي                                             

ورغم خطرها، لم يكن الخوف هو رد الفعل الوحيد تجاه الأسود؛ إذ كان البعض يصطادها بنشاط ودهاء. ففي القرن السابع عشر، قدّم الرحالة الفرنسي جيرمان موات، الذي أسره قراصنة سلا واحتُجز في المغرب لأكثر من عشر سنوات، وصفًا حيًا لتقنيات صيد الأسود التي شاهدها في منطقة سوس، وذلك في كتابه رحلات السيد موات (1710).

لاحظ موات أن الأسود كانت تنسحب إلى الكهوف نهارًا، وتخرج للصيد ليلًا. وكان السكان المحليون، العارفون بسلوكها، ينصبون فخاخًا معقدة بغرض الإمساك بها حيّة.

خلال سفره في منطقة سوس، لاحظ جيرمان موات وجودًا لافتًا للأسود. فقد كتب أن هذه الحيوانات كانت "تنسحب إلى الكهوف في النهار، وتخرج للصيد مع حلول الليل". وبفضل درايتهم بعادات الأسود وسلوكها، كان السكان المحليون ينصبون أفخاخًا معقدة بغرض اصطيادها حيّة.

كانت الطريقة المستخدمة تنطوي على قدر كبير من الحيلة والخطورة في آنٍ واحد. فالصيادون يحفرون حفرة عميقة تُخفى بعناية بواسطة غطاء متوازن بدقة، يُثبت على وتد ويربط به خروف ميت كطُعم. ما إن يقترب الأسد، مدفوعًا برائحة الطُعم، حتى يخطو فوق الغطاء وينزلق إلى داخل الحفرة، رأسًا على عقب.

لكن هذا لم يكن سوى الجزء الأول من الفخ. أسفل الحفرة الأولى، كانت توجد حفرة ثانية تتصل بممر يقود إلى صندوق خشبي كبير، يشبه مصيدة فئران ضخمة، وُضعت داخله قطعة من لحم الخروف. مدفوعًا بالجوع ورغبة النجاة، يزحف الأسد داخل الصندوق، حيث يُغلق عليه تمامًا — «كفأر في مصيدة»، على حد وصف موات.

ولرفع الصندوق، كانت تُستخدم حلقات حديدية مثبتة في زواياه، مما يسمح بحمله على ظهر حصان أو بغل ونقله إلى أقرب قائد محلي. هناك، يمكن للقائد أن يقرر مصير الأسد؛ إما قتله بنفسه «للمتعة»، أو إصدار أمر بقتله في الحال.

الأسود في خدمة السياسة

لم تقتصر علاقة المغاربة بالأسود على الصيد أو الخوف، بل تجاوزتها إلى توظيفها كرموز سياسية ودبلوماسية. فقد كانت الأسود تُقدم كهدايا ملكية تُظهر القوة والمكانة. ففي عام 1532، أهدى أحد حكام الدولة الوطاسية أسدًا مغربيًا، إلى جانب مجموعة من الحيوانات الأخرى، إلى ملك فرنسا، كعربون على حسن النية وتعزيزًا للعلاقات بين المملكتين.

لم تكن الأسود تُستخدم فقط كهدايا سياسية أو رموز للهيبة، بل كانت تُسخّر أيضًا كوسائل للعقاب والترهيب. ففي مكناس، أمر السلطان مولاي إسماعيل بجلب أربعة عشر أسدًا ضخمًا من جبال الأطلس، وأقام لهم حظيرة بجوار السجن الملكي الذي كان يضم أسرى مسيحيين، أُجبروا على العمل في بناء قصره.

وبحسب المؤرخ برنارد روزنبرجر في كتابه الأسود، القديسون والسلاطين في المغرب، فقد كان السلطان يجد «متعة شديدة» في مشاهدة هذه الأسود وهي تفترس المجرمين أو الأسرى الذين يُعرضون لها كنوع من العقاب العلني.

مع تطور الأسلحة النارية واتساع رقعة العمران، بدأت الأسود تنزوي نحو المناطق النائية والمعزولة. ورغم أن المسافرين في القرن السابع عشر ما زالوا يبلّغون عن مشاهدات عرضية للأسود في الريف، فإنهم أشاروا إلى أنها لم تكن تهاجم البشر إلا إذا تعرّضت للاستفزاز.

وبحسب ما هو متداول، يُعتقد أن آخر أسد أطلسي بري قد قُتل عام 1909 في منطقة عين اللوح بالأطلس المتوسط، ليختفي بذلك هذا الكائن الأسطوري من البرية، ويستمر حضوره الرمزي في الذاكرة الجماعية، مجسدًا في اسم المنتخب الوطني: أسود الأطلس.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال