هذا الاستنفار الاقتصادي كان على رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أن يقوم به منذ الأسابيع الأولى التي دخل فيها إلى المشور السعيد، وألا يغرق في الملفات السياسية الفارغة، وألا يترك الاقتصاد لوزارة الاقتصاد وكأنها حكومة داخل الحكومة، خاصة وأن بنكيران، إلى الآن، لم يشكل فريقا كبيرا ومتكاملا في ديوانه، وأن المتخصصين في الاقتصاد والمالية والأرقام قليلون جدا في مكتبه، وخبرتهم ليست كبيرة لأن جلهم كانوا موظفين في المالية، ولم يكونوا في مواقع القرار وصناعة السياسات العمومية... إنهم يجتهدون ويتعلمون، لكن أغلبية الملفات جديدة عليهم، ويحتاجون إلى وقت وإلى طاقم أكبر ليقدموا قيمة مضافة في ظروف اقتصادية صعبة جدا.
سيترحم بنكيران على أيام المعارضة، حيث كانت مهمة قول «لا» سهلة، في حين أن إدارة بلاد على حافة الإفلاس أمر صعب جدا، خصوصا عندما لا تساعد السياسة الاقتصاد على التحرك السريع، وعلى إيجاد خطط الإنقاذ المستعجلة.
بنكيران وعد بإصلاح صندوق المقاصة الذي يلتهم أكثر من 57 مليار درهم من الميزانية كل سنة، لكنه، وبعد أن «سخن الطرح» وسوّق الحلول التي في جعبته، والتي تقوم على البداية التدريجية للإصلاح، وعلى صرف إعانة للفقراء وإزالة الدعم عن المواد الأساسية تدريجيا، رجع ووقف في نصف الطريق، ولم يعد يتحدث عن الموضوع بعد أن لاقى معارضة سياسية واقتصادية لهذا الحل...
وزارة المالية، وعوض أن تساعد رئاسة الحكومة في إيجاد حلول لمشاكل الاقتصاد، أصبحت متخصصة في رسم اللوحات السوداء عن الوضع المالي للمغرب، والبعض داخلها ولحسابات غامضة يعمل بأساليب متطورة على رفع نسبة العجز مثل ما وقع في الأيام الأخيرة من شهر دجنبر 2012 حيث عمدت وزارة المالية إلى صرف شيك ثقيل بقيمة 5 مليارات درهم لشركات المحروقات عوض تأخيره إلى شهر يناير 2013، وذلك حتى لا يتفاقم العجز في ميزانية 2012، وهذا إجراء كان معمولا به في الحكومات السابقة، ولما جاء بنكيران إلى رئاسة الحكومة وجد 14 مليار درهم من متأخرات 2011 تركها عباس الفاسي إلى 2012 حتى لا يثقل كاهل 2011 بنسبة عجز أكبر، ولو أدى هذه الفاتورة سنة 2011 لوصل عجز ميزانية حكومته إلى أكثر من ٪7 في حين أنه أنهاها بـ٪6.1 فقط.
الوضع الاقتصادي صعب، والحلول المطروحة على الطاولة، إلى الآن، ليس فيها ابتكار ولا إبداع. فمثلا تقليص ميزانية الاستثمار العمومي ربما تكون له انعكاسات سلبية على سوق الشغل، باعتبار أن الدولة الزبون رقم واحد للشركات والمقاولات، وقد يدفع هذا إلى المزيد من الانكماش الداخلي، مع العلم بأننا بلاد لا تستفيد كثيرا من الاستثمار العمومي بسبب الفساد والروتين الإداري والتلاعب بالصفقات وغياب المراقبة.
إصلاح صندوق المقاصة توقف، والإصلاح الضريبي معلق على مناظرة قد تتم أو لا تتم، والإدارة تلعب على يسار الحكومة، والانسجام ضعيف وسط الفريق الحاكم الذي عوض أن ينشغل بالبحث عن حلول للمشاكل، يتفرغ بالكامل للبولميك والشغب بين قادة الائتلاف الحاكم.
على الحكومة أن تقرأ تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، لتكتشف أن هناك أموالا في حوزتها لكنها ضائعة، فحجم متأخرات التحصيل لدى مديرية الضرائب لوحدها، التي تتجاوز اليوم 30 مليار درهم، لا تعرف الوزارة كيف تصل إليها. هذا مثال من عشرات الأمثلة التي تكشف أن الحكومة لا تتحكم في أدوات تحريك الاقتصاد، ولهذا فإنها تبحث عن حلول غير موجودة في الأماكن الخطأ.
المشكل ليس فقط في الأزمة العالمية التي أثرت على المغرب، المشكل في عطب آلية صناعة السياسات العمومية. الطريقة التي أعد بها القانون المالي كانت طريقة كلاسيكية جدا، فبعد 3 أشهر اتضح أن هذا القانون لم يأت بحلول حقيقية لمشاكل البلاد، وأن توقعاته كانت أقرب إلى «الخيال العلمي» منها إلى الواقع.