القائمة

أخبار

الصحراء في وثائق المخابرات الأمريكية #29: عندما تخلت الجزائر عن شرط حضور البوليساريو قمة تأسيس اتحاد المغرب العربي

في لحظة دقيقة من التاريخ المغاربي، تكشف وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، تعود إلى 15 أبريل 1985، عن الإرهاصات الأولى لمحاولة بناء صرح مغاربي موحد، وسط تقاطعات المصالح الإقليمية واحتدام الصراع في الصحراء الغربية. الوثيقة تشير إلى تخلي الجزائر عن شرط حضور جبهة البوليساريو في القمة.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

تطرقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في وثيقة تعود إلى 15 أبريل 1985، إلى الإرهاصات الأولى للإعلان عن تأسيس اتحاد المغرب العربي. وأشارت الوثيقة التي يعود تاريخ نشرها إلى 22  دجنبر 2016، إلى أن "الاجتماع المحتمل في ماي بين الرئيس الجزائري بن جديد والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، قد يكون "فاتحةً لقمة مغاربية كبرى في الأشهر المقبلة".

وأضافت الوكالة أنه "منذ بداية العام، تزايد حديث دول شمال أفريقيا الخمس - المغرب، وموريتانيا، والجزائر، وتونس، وليبيا - عن "المغرب العربي الكبير" وضرورة عقد قمة إقليمية لمناقشة هذا المفهوم".

وتؤكد الوكالة أن "الدافع الرئيسي يأتي من الرئيس الجزائري بن جديد، الذي التقى القذافي في أواخر يناير، ويُقال إنه يخطط للقاء الملك الحسن الثاني قريبًا. تُعدّ الشكوك حول استقرار التحالفات في المنطقة هي الدافع وراء هذه الاتصالات، وليست الرغبات القومية أو رغبات التعاون".

"ستكون مشكلة الصحراء الغربية المحور الرئيسي لأي اجتماع تحضره كل من الجزائر والمغرب. إن العداوات بين الدولتين تحول دون أي تسوية سياسية شاملة ودائمة".

وبحسب الوثيقة التي أعدها فرع المغرب في القسم العربي الإسرائيلي، ومكتب تحليل الشرق الأدنى وجنوب آسيا، فإن عقد القمة المنتظرة جاء بعدما تخلت الجزائر عن فكرة حضور جبهة البوليساريو في أي اجتماع مغاربي، وأوضحت أن "آخر محاولة لجمع الدول هي محاولة الرئيس التونسي بورقيبة في أوائل عام 1985، لكن الجزائر رفضت الحضور لعدم حصول جبهة البوليساريو على مقعدٍ في المؤتمر".

وزادت الوثيقة أن الرئيس بن جديد، صرح "في خطابٍ مهمٍّ حول السياسة الخارجية في 8 أبريل، بأن الاتصالات المكثفة التي أجرتها الجزائر مع ليبيا وتونس وموريتانيا في الأشهر الأخيرة شملت مشاوراتٍ حول الوحدة الإقليمية. وأكد أن هذا الهدف يجب أن يستند إلى عوامل اقتصادية وسياسية. كما ألمح بن جديد إلى احتمال الكشف قريبًا عن مشروع وحدة، وأنه سيخضع لاستفتاءٍ عام".

وفي ليبيا أدلى القذافي بتصريحات مماثلة، عقب عدة اجتماعات بين مسؤولين جزائريين وليبيين، واستُكملت هذه المبادرات بدعواتٍ من تونس لعقد مؤتمرٍ مغاربي، وزياراتٍ من الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع إلى جميع عواصم المنطقة.

أهداف مختلفة وراء الرغبة في عقد القمة

تشير الوثيقة إلى أن الجزائر هي الأكثر انشغالا بفكرة الوحدة المغاربية، رغم أن عداءها التقليدي تفاقم "للمغرب بسبب التوتر مع ليبيا، على الرغم من اتجاه التقارب الأخير بين البلدين. من المحتمل أن ينبع لقاء الرئيس بن جديد مع الزعيم الليبي القذافي، وكذلك اجتماعه المرتقب مع الملك الحسن الثاني، من جهود بن جديد لكسر الاتحاد المغربي الليبي وتخفيف الضغوط العسكرية على أحد حدود الجزائر أو كليهما".

"تُكمل التهديدات الليبية ضد تونس وصراع المغرب مع جبهة البوليساريو مخاوف الجزائر بشأن أمنها القومي، وهذه هي الدوافع الرئيسية وراء سعي الجزائر للتواصل مع كلا البلدين".

وتبرز الوكالة أن "تطورات نزاع الصحراء الغربية خلال السنوات القليلة الماضية هي ضد مصالح الجزائر. لقد فقدت جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر زمام المبادرة العسكرية، على الرغم من قدرتها على شن هجمات عرضية على الساتر الترابي".

كما أن "الجزائر، التي تواجه انخفاضا حادا في عائدات النفط، لم تعد قادرة على تحمل تكاليف تمويل المشروع" الانفصالي.

ورجحت الوكالة "أن تدعم الجزائر درجة من الحكم الذاتي السياسي من شأنها أن تحفظ هوية الشعب الصحراوي المحلي".

وبخصوص المغرب فإن الوثيقة تؤكد على أن الملك الحسن الثاني لطالما كان متفرجا على الجهود المبذولة لعقد قمة. ومع ذلك، فهو على استعداد للقاء قادة آخرين؛ بل إن الملك يرغب في الانضمام إلى أي مبادرة جزائرية ناجحة لرعاية قمة مغاربية. وطالما أنه يتمتع بالتفوق العسكري في الصحراء الغربية، فمن المرجح أن الحسن الثاني لن يكون مستعدًا للتخلي عن المكاسب التي حققها".

وبالنسبة لتونس فإن اهتمامها بعقد القمة ينبع "من صغر حجمها وضعفها السياسي والعسكري". وبخصوص موريتانيا فإنها "تشعر مثل تونس، بأنها مضطرة لحضور قمة مغاربية. ترتبط موريتانيا حاليًا بالجزائر وتونس في معاهدة ثلاثية للأخوة والوفاق وُقعت عام 1983، لكن نظام الطايع اتخذ موقفًا محايدًا تجاه الجزائر والمغرب. أصبح شمال غرب موريتانيا تدريجيًا ساحة معركة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ومن شأن احتمال بناء المغرب ساترًا إضافيًا في الصحراء الغربية أن يزيد الضغط على الحدود الشمالية للبلاد. قد يؤدي ذلك إلى تقويض موقف الرئيس الطايع المتعثر بالفعل".

وبخصوص ليبيا فإن رغبة القذافي في الحضور تعتمد "على قدرته على تعزيز سلطته في الداخل في أعقاب الغارة الجوية الأمريكية. ونظرًا لالتزام القذافي الأيديولوجي بالوحدة واهتمام ليبيا بحشد جيرانها العرب في وقت تزداد فيه الضغوط من الولايات المتحدة، فإنه في الظروف العادية سيفضل مثل هذه الفكرة. وسينظر إلى الاجتماع على أنه فرصة لتعزيز مكانته في المنطقة والعالم العربي. كما سيسعى القذافي إلى تعزيز الاتحاد السياسي المتعثر مع المغرب، وإثبات أن الخلافات مع تونس أصبحت من الماضي، وبناء علاقات متينة مع الجزائر".

وسيقاوم القذافي حسب الوثيقة أي محاولة من جانب الجزائر لدعم جبهة البوليساريو علنًا - كما فعلت قبل المعاهدة مع المغرب - والاستسلام لمطالب تونس بعلاقات طبيعية.

وأبرزت الوثيقة أن "اجتماعا غير ناجح قد يقرب الجزائر من ليبيا، ويشجع بن جديد على عقد قمة رباعية، سواء بمشاركة جبهة البوليساريو أو بدونها. ومن المرجح أن ترى الجزائر في هذه الخطوة وسيلةً لإظهار هيمنتها وممارسة الضغط على المغرب. وسيكون تأثير هذا الاجتماع سلبيا على الرباط، وقد يُؤدي إلى انهيار الاتحاد الليبي المغربي".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال