أجمعت المشاركات في لقاء تقديم مؤلَّف حول "فاطمة المرنيسي: النوع الاجتماعي والثقافة والسياسة في الشرق الأوسط"، الصادر مؤخرا باللغة الإنجليزية، على أن من أبرز اهتمامات الراحلة توحيد صفوف الحركة النسائية، والعمل الميداني مع ساكنة المغرب العميق، إلى جانب تتبّع التحولات الجيو-استراتيجية في المنطقة. وقد تناول هذا اللقاء، الذي أدارته الأستاذة نجاة الزراري، يوم السبت 19 أبريل 2025، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمجلس الجالية المغربية بالخارج في إطار المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، مختلف جوانب شخصية المرنيسي ومسيرتها الفكرية.
وأكدت المتدخلات أن التحولات المجتمعية، خاصة ما يرتبط بتغلغل العنف والتطرف في صفوف الشباب، شكّلت أيضًا إحدى انشغالات فاطمة المرنيسي، التي كانت مثقفة عضوية سخّرت سلطتها المعرفية والرمزية لخدمة الناس وتأطيرهم وتنظيمهم. كما أشارن إلى أن صاحبة مؤلف "ما وراء الحجاب" كانت تمتلك حدسًا لافتًا مكّنها من اكتشاف أجود ما لدى الآخر من خصال والعمل على تثمينها، منطلقةً من رؤيتها الإيجابية التي لا ترى إلا النصف الممتلئ من الكأس.
الناشرة ليلى الشاوني، التي تعاونت مع فاطمة المرنيسي في نشر عدد من مؤلفاتها، اعتبرت هذا التعاون شرفًا كبيرًا، وأسهم في إتاحة فكرها لشرائح واسعة من القرّاء، من خلال حرصها على إصدار طبعات شعبية بأسعار في متناول ذوي الدخل المحدود. وأضافت أن المرنيسي كانت ترى في الكتابة وسيلة نضال سلمي من أجل التغيير، وهو ما جسّدته فعليًا بتنظيم ورشات لفائدة الطلبة وربات البيوت، فضلًا عن دعمها لصوت الراحلة عائشة الشنا، التي كانت تؤكد دومًا أنها ليست كاتبة ولكنها تملك ما يستحق أن يُقال.
أما الحقوقية ربيعة الناصري، فذكرت أن المرنيسي، التي لم تكن تميل إلى التمجيد، سبق أن رفضت تكريمات من منظمات مدنية، بينها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، لافتةً إلى إسهاماتها العميقة، خصوصًا في تفكيك الموروث الفكري الإسلامي وإبراز ما يمكن أن يدعم الترافع من أجل المساواة بين النساء والرجال.
واستحضرت الناصري أول لقاء جمعها بالراحلة، وكان في ندوة حول "المرأة والتربية" في مطلع التسعينيات، لتتوالى بعدها اللقاءات والمناسبات المشتركة. وأضافت أن المرنيسي كانت سندًا قويًا للجمعية الديمقراطية لحقوق النساء، وسخّرت شبكة علاقاتها لمساعدتها في اكتشاف فرص الشراكة والدعم من مختلف وكالات الأمم المتحدة في نيويورك، حيث كانت تحظى بتقدير كبير من مسؤوليها.
كما أكدت الناصري أن المرنيسي كانت تشدد دائمًا على أهمية الكتابة كأداة للتغيير، وتشجّع الآخرين على التعبير والخروج من الظل. وأشارت إلى إعجاب الراحلة الكبير بتقرير كانت قد أعدّته لفائدة الجامعة العربية حول الفقر وآثاره على أوضاع النساء.
من جهتها، قالت الباحثة زكية سليم، أستاذة بجامعة روتغرز الأمريكية، إن كرم فاطمة المرنيسي المعرفي لا حدود له، وأضافت: "أنا مدينة لها بالكثير في مساري الأكاديمي، فمن خلالها تعرفت على فضاءات جديدة وشخصيات وازنة". وأكدت أن المرنيسي كانت تدعم الجمعيات دون أن تسعى لقيادتها، لأنها كانت ترفض فكرة الزعامة وتحرص على ألا تُنتج حريمًا جديدًا، ولذلك دافعت دائمًا عن التنوع والاختلاط بين النساء والرجال.
وسردت الباحثة موقفًا دالًا عندما حضرت ندوة نظّمتها إحدى المؤسسات الأوروبية وجرى منع الرجال من الحضور بدعوى أنها مخصصة للنساء، فما كان من المرنيسي إلا أن أصرت على إشراك الجميع، رافضة منطق الإقصاء الذي طالما نقدته.
وختمت سليم شهادتها بالتأكيد على أن من جاور المرنيسي شعر عند رحيلها باليُتم، لما كانت تتحلى به من سخاء إنساني وفكري نادر، داعية إلى إعادة كتابة التاريخ الوطني من خلال إبراز إسهامات النساء في مختلف محطاته المفصلية.