القائمة

الرأي

حول التبشير المسيحي بالمغرب

كلما طرح موضوع التبشير المسيحي بالمغرب، لجأت الأطراف المتدخلة في النقاش إلى نفس الترسانة المعتادة من العبارات الجاهزة، والتحايلات اللفظية، من أجل الهروب من جوهر المشكل الذي هو حرية المعتقد، التي يبذل المحافظون قصارى جهودهم لإخفائها بذرائع الفقر أو إغواء الطفولة البريئة. بينما يتعلق الأمر في الواقع باختيار حرّ للأفراد البالغين، والذين ليسوا في غالبيتهم الساحقة فقراء.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

وحده الدكتور أحمد الريسوني كان عند الموعد هذه المرة، وتوجّه رأسا إلى صلب الموضوع بعد أن حاصرته الصحافة بأسئلتها، معلنا أنه لا ينبغي منع التبشير المسيحي بالمغرب ما دام المسلمون ينشرون دينهم في بلدان العالم بدون أن يتعرضوا للمنع أو الاعتقال. وهي كلمة حق لا تنسجم مع النسق الفكري الذي يعمل في إطاره الرجل، ولا مع الايديولوجيا السياسية التي يتبناها، ولكنها كلمة نطق بها بسبب شعوره بأنه في النهاية لن يصحّ إلا الصحيح، و أنه لا يمكن الدفاع إلى ما لا نهاية عن أطروحة تتناقض مع منطق الأشياء ومع اتجاه التاريخ.

وقد يكون الأمر نوعا من التكفير عن الخطأ الذي ارتكبه الدكتور أثناء مناقشة مشروع الدستور، عندما اعترض على التنصيص على حرية العقيدة في القانون الأسمى للبلاد، مهدّدا "أمرير المؤمنين" بأنه "لن يجد مؤمنين يحكم عليهم إذا ما سمح بحرية العقيدة في الدستور"، جاعلا من المؤمنين قطيعا محروسا بعصا السلطة وبنادقها.

والواقع أن حزب العدالة والتنمية وقع في نفس المطبّ، فبعد أن تحقّق مراد اللوبي المخزني بحذف "أم الحريات" من مشروع الدستور، باستعمال أذرعه السياسية في اللحظات الأخيرة، أعلن البيجيدي في الورقة التي تبناها مؤتمره بدون صعوبة تمسكه بـ"حرية المعتقد" ودفاعه عنها، حتى أن المرء يحار في المقصود بحرية المعتقد هل هي تلك التي تمّ حذفها من الدستور، أم حرية أخرى لا قبل لنا بها ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم بالحزب المذكور.

والسؤال المطروح هو: أليس الدستور هو الذي يوفر الحماية القانونية لجميع الحقوق والحريات، ويحمي الأفراد من غلواء السلطة وشطط بعضهم ضدّ بعض؟ كيف إذن نسعى إلى حذف شيء من الوثيقة الدستورية ثم نتبناه بعد ذلك ؟

في الواقع لا غرابة هناك، فنحن في بلد التناقضات والسكيزوفرينيا، وإلى حين أن نحصل على أجوبة واضحة من إخواننا المتشدّدين في الدين الذين بلغوا غاية الارتباك هذه الأيام، نؤكد على ما يلي:

ـ أن استعمال كلمة "التنصير" في حدّ ذاتها تحريف للواقع، لأنها توهم بأنّ التبشير تحويل قسري للأفراد عن معتقدهم الأصلي عبر الإكراه، والذين يلجئون إلى هذا التحريف إنما يفعلون من أجل تبرير استعمال ما ورد في الفصل 220 من القانون الجنائي، والذي لا يتطابق مطلقا مع ما يجري في الواقع.

ـ أن ما ورد في القانون الجنائي يطبق بشكل جزئي وانتقائي حيث يشمل البعض دون البعض الآخر، فالذي يعوق غيره عن أداء شعائره الدينية يعاقب طبقا للقانون، لكننا نكتشف في سلوك السلطة بأن المقصود هو "من يعوق مسلما عن أداء شعائره" وليس غيره، ما دامت السلطة نفسها تعوق من ليس على الدين الرسمي وتمنعه من أداء شعائره الدينية.

ـ أن ذريعة الإغراء بالمال التي تستعمل من أجل التضييق على التبشير المسيحي أو غيره، هو ما تقوم به الجمعيات الإسلامية في كل بلدان العالم، بل إن الوهابية العالمية تخصص لذلك ملايير الدولارات، ولولا المال السعودي والخليجي لما كانت جمعيات التبشير الإسلامي بالعدد الذي هي عليه في القارات الخمس.

منبر

أحمد عصيد
باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
أحمد عصيد