أصبحت مساعدة الآخرين جوهر حياة عبد الحميد أيت تشين، حيث استلهم رسالته من نجاحه في التغلب على تحديات الهجرة وبناء مستقبل مشرق رغم الصعوبات التي واجهها في بداياته.
شعر عبد الحميد، المعروف بين أصدقائه بـ"حميد"، بدافع قوي لمساعدة الآخرين عند سماعه عن الفيضانات الكارثية التي ضربت جهة فالنسيا، والتي أودت بحياة أكثر من 200 شخص وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية.
في بداية شهر نونبر، انطلق حميد رفقة شقيقه وزملائه إلى المناطق المنكوبة في فالنسيا، مجهزين بمعداتهم لتقديم المساعدة بطريقتهم الخاصة: تقديم خدمات حلاقة مجانية. وخلال حديثه مع "يا بلادي" قال حميد "بعد الفيضانات، قررت التوجه إلى فالنسيا للمساهمة في تقديم الطعام، والتنظيف، وحلاقة الشعر مجانا".
حلاقة مجانية ومشاعر إنسانية
بمجرد وصولهم إلى فالنسيا، جهّز حميد وفريقه معداتهم في انتظار وصول الزبائن. وقال "كنا ندرك أنه في مثل هذه الكوارث، آخر شيء يفكر فيه الناس هو قص الشعر، لكننا كنّا نقدم أكثر من مجرد قصة شعر. كان ذلك أشبه بجلسة علاجية".
سرعان ما بدأ الناس يتوافدون، ليس فقط للحصول على حلاقة مجانية، ولكن للتعبير عن مشاعرهم أيضًا. في فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر أحد الناجين من الفيضانات وهو يذرف الدموع أثناء جلوسه على كرسي حميد، معبرًا عن حزنه وامتنانه لهذه المبادرة الإنسانية.
وقال حميد "ذلك الرجل الذي ظهر في الفيديو كان محطمًا. لقد فقد كل شيء: أمواله ومنزله وربما سيارته أيضًا". وأضاف "لم يأت الناس فقط للحصول على قصة شعر، بل ليشاركوا مشاعرهم، وهو ما جعلهم يشعرون بتحسن نوعا ما".
وأعرب حميد عن فخره برؤية مغاربة آخرين في فالنسيا يشاركون في مبادرات إنسانية، قائلاً "لم نكن الوحيدين. رأينا مغاربة يقدمون ساندويشات مجانًا، وآخرين يوزعون السفنج المغربي".
قصة نجاح ملهمة
تقديم قصات الشعر المجانية أصبح جزءًا من مسار حميد، الذي يدير صالون حلاقة في مدريد. على مر السنوات، نظم العديد من المبادرات الخيرية، بما في ذلك تقديم خدمات حلاقة للمشردين وكبار السن في دور الرعاية، فضلاً عن توزيع الكمامات خلال جائحة كورونا.
لكن طريق حميد نحو النجاح لم يكن سهلاً. ففي عام 2004، وصل إلى إسبانيا كقاصر غير مصحوب من الدار البيضاء. وقال "كنت في الخامسة عشرة فقط" لكنه فضل عدم الخوض في تفاصيل هجرته غير النظامية لتجنب تشجيع المراهقين الآخرين على المخاطرة نفسها.
تم إيداع حميد في مركز للمهاجرين القاصرين في مدينة كوينكا في منطقة قشتالة–لا مانشا. ورغم تمرده وميوله للفرار من المركز، إلا أنه تمكن من إيجاد طريقه بفضل مساعدة مديرة المركز التي كانت ترغب في بقائه هناك. وقال حميد "سألتني المديرة عما أحب القيام به، فأخبرتها أنني أحب قص الشعر، فساعدتني على تحقيق ذلك".
بفضل دعمها، التحق حميد بمعهد للتجميل والحلاقة، وحصل على وظيفة في صالون محلي. لكنه فقد عمله خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008، مما دفعه لافتتاح صالونه الخاص.
بعد سنوات من العمل في كوينكا، قرر حميد الانتقال إلى مدريد بحثًا عن فرص أكبر. واليوم، يدير صالونًا ناجحًا هناك ويستعد لافتتاح فرع ثانٍ، بهدف توسيع أعماله ودعم الحلاقين المغاربة الشباب.