المفارقة الأولى: عادل الدويري، وزير السياحة السابق والقيادي في حزب الاستقلال ورأس رابطته الاقتصادية، يقول، أمام الفرنسيين في منتدى باريس في البيضاء الأسبوع الماضي، «إن الحكومة الحالية تسعى إلى كسب الأصوات من خلال توزيع المال على الفقراء، وهذا ليس إصلاحا لصندوق المقاصة». هل الدويري عضو في حزب معارض؟ الجواب لا. هل الدويري عضو في حزب لا يدير وزارة المالية؟ الجواب لا. هل نزار بركة، الذي يسير المالية، عضو في حزب يساري يريد أن يحابي الفقراء ضد الأغنياء؟ الجواب معروف. كل الحكومات في الدنيا تسعى إلى أن تكسب الأصوات الانتخابية من خلال سياسات عمومية تعتقد أنها تخدم أغلبية مواطنيها، فما هو المشكل إذن؟ ثم لتكن، السيد الدويري، منسجما مع نفسك وتقدم استقالتك من هذا الحزب المشارك في هذه الحكومة التي لا تهمها المصلحة الوطنية بقدر ما يهمها الفوز الانتخابي بأي ثمن، أو طالب بخروج الاستقلاليين من الحكومة الانتخابوية هذه، والحال أن الجميع يعرف أن شباط يخوض معركة «دار دار بيت بيت زنكة زنكة» مع بنكيران لإدخالك إلى الحكومة، عرفانا لمجهودات والدك، الذي ساهم في وصوله إلى رئاسة حزب سيدي علال انتقاما من بوستة وعباس اللذين أبعداه عن الأمانة العامة للحزب في 2003.
المفارقة الثانية: مجلس المستشارين، الذي انتهت صلاحيته منذ صيف 2011 حين تغير دستور المملكة وتغيرت معه تركيبة المجلس وصلاحياته. كان الخطاب الملكي قد حدد 2012 موعدا لإجراء الانتخابات الجماعية لتجديد هذا المجلس، الذي لم تعد له أدوار جدية بعد تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. هذا موضوع آخر، لكن هذه الانتخابات لم تنظم السنة الماضية، ولم تنظم هذه السنة. الأرجح والمفارقة أن المجلس الفاقد لأي شرعية سياسية أو دستورية مستمر في التشريع ومراقبة الحكومة والظهور في التلفزة، وكأن لا أحد مهتم بتطبيق الدستور. بنكيران لا يريد أن يفتح عليه بوابة صراعات جديدة مع حلفائه وخصومه، ولسان حاله يقول: «وقت ما جاء الخير ينفع». أما المعارضة فإنها تعرف أن أغلبيتها في مجلس بيد الله زائلة لا محالة إذا نظمت الانتخابات الجماعية اليوم، ولهذا فإن هناك تواطؤا بين الحكومة والمعارضة للضحك على ذقن الدستور والتصرف خارج الوثيقة الأسمى في البلاد، فقط لأن حسابات السياسيين لا تتوافق مع مبادئ الدستور. أما المحكمة الدستورية فهذه قصة أخرى، فأعضاؤها يعرفون أن مهامهم على وشك الانتهاء، وأنهم يلعبون في الوقت الضائع، ولهذا فإنهم يمشون على البيض، وجلهم يفكر في أقصر الطرق للعودة إلى مكاتبهم وهم ينتظرون القانون التنظيمي الجديد للمحكمة الدستورية. والحكومة عوض أن تعطي الأولوية لهذا القانون التنظيمي وقوانين أخرى أهم، راحت تهيئ القانون التنظيمي لمجلس استشاري مثل مجلس بنموسى، وتركت قانون المحكمة الدستورية المستأمنة على حراسة الدستور.
المفارقة الثالثة: عبد الحنين بنعلو، مدير مكتب المطارات السابق الذي يتابع بتهم كبيرة جداً، يتابع الناس مسلسلها الفضائحي وملياراتها التي ذهبت إلى جيوب عميقة وأسئلة تعقد ألسنتهم: أين كانت أجهزة الرقابة في الدولة حتى وصل هدر المال العام إلى هذا المستوى؟ أين كانت المفتشية العامة لوزارة المالية؟ أين كان المجلس الإداري الذي كان يترأسه كريم غلاب وزير التجهيز والنقل الذي عاصر طيلة ولايتين عمل بنعلو؟ ما فائدة مجلس إداري لا يراقب ولا يحاسب ولا يدق ناقوس الخطر؟ ولماذا لم يستدع قاضي التحقيق، ولو مرة واحدة، كريم غلاب إلى مكتبه ليعرف تشابك الخيوط وألغاز الجرائم المالية التي لم يكتشفها أحد في الوزارة الوصية، ولا في وزارة المالية، حتى جاء المجلس الأعلى للحسابات بعد مدة طويلة واكتشفها بسهولة كبيرة؟
إنها بعض مفارقات بلاد مازالت تتعلم أصول الممارسات الديمقراطية، والمشكلة أن الكثيرين لا يريدون أن يخرجوا من فصل التعلم هذا، ليس لأنهم كسالى بل لأن الوضع الراهن يخدم مصالحهم