يستحق كريم موسطا لقب الجد الملهم عن جدارة واستحقاق، وهو الآن جدّ يستمتع بتقاعده بين الدار البيضاء وتونير في فرنسا. فقد عاد مؤخراً إلى وطنه بعد رحلة أخرى على خطى ابن بطوطة. قام برحلة عبر ثلاث قارات (إفريقيا وأوروبا وآسيا) من الدار البيضاء إلى بكين، قاطعاً مسافة 15,370 كيلومتراً في 7 أشهر.
بدأ حب كريم موسطا للرياضة منذ نعومة أظافره، في المسبح البلدي القديم بالدار البيضاء، بدأ ابن المدينة القديمة مشواره الرياضي. وقال في حديثه ليابلادي مازحًا: "تعلمت السباحة في نفس الوقت الذي تعلمت فيه المشي"، في إشارة إلى الدور المبكر للتربية البدنية في تطوير شخصيته وبناء عزيمته. آنذاك أدرك العداء المستقبلي معنى الخروج من منطقة الراحة وركوب التحديات. وأصبح هذا الأسلوب جزءًا من حياته.
وأضاف "قضيت الكثير من الوقت في حوض السباحة مع نادي الوداد البيضاوي. كنت أسبح لساعات طويلة منذ طفولتي، وهو ما درب عقلي على روح التحمل، حتى قبل الأداء البدني". وظل كريم كـ"السمكة في الماء" حتى بلوغه سن السادسة عشرة.
ثم انضم إلى إخوته وأخواته في فرنسا. وبسبب عدم توفر مسبح للتدريب، انتقل شغفه إلى الملاكمة، وبدأ يتدرب بجدية، يقضي ساعات يوميًا في القاعة حتى تفوق على مستوى فئته العمرية. من أصل 30 نزالاً، فاز بـ 28 منها بالضربة القاضية وخسر نزالًا واحدًا فقط وتعادل في نزال آخر.
ثم قام مدربه بتسليمه زمام القاعة، حيث أصبح مسؤولاً عن إعداد زملائه بدنيًا. بالموازاة مع ذلك، تدرب ليصبح مدربًا للملاكمة لمدة سبع سنوات. وخلال عطلات نهاية الأسبوع، كان يعمل نادلًا، حيث التقى بصديق له كان مصورًا لـ"ماراثون الرمال"، وهو اللقاء الذي غير مسار حياته الرياضية.
"كان أحد الأصدقاء مصورًا لماراثون الرمال. في ذلك الوقت، لم أكن أعرف شيئًا عن الصحراء، على الرغم من أنها جزء من البلد الذي ولدت فيه. ونظرًا لخلفيتي الرياضية، أراني صديقي بعض الصور، وشجعني على المغامرة والانخراط في هذا التحدي الجديد".
وهكذا، خاض كريم موسطا التحدي واستمر في تكراره 28 مرة أخرى، ليصبح أكثر عداء مغربي من حيث المشاركة في هذه المنافسة. جاب الصحراء، وكذلك مناطق مختلفة من العالم، في آسيا وأوروبا والغابات والجزر الاستوائية... بالنسبة له، كل سبب كان كافيًا للتحرك. وتحولت الرياضة من مجرد إنجاز بدني إلى فلسفة حياة. وكان أول مغربي يشارك في هذه التحديات الطبيعية التي قادته إلى أكثر من 145 دولة.
الرياضة كفلسفة حياة
في السنوات الأخيرة، جمع كريم بين التأمل الداخلي وتجاوز الذات. لتحقيق حلم والدته في رؤيته يؤدي الحج، خاض رحلة بالدراجة من الدار البيضاء إلى مكة، مرورًا بـ 13 دولة أوروبية. ثم قام برحلة أخرى بين أمستردام ودكار، حاملاً رسالة سلام وتكريمًا لعبد الحق نوري.
استلهم كريم موسطا من التجارب الإنسانية التي راكمها على مدار سنوات من الجري والمشي، ووجد طريقه إلى المشاركة المدنية. حيث ينظم على وجه الخصوص مسار شفشاون لا ترافيرسيه وماراثون سباق الصحراء في المغرب، وهما حدثان يجمعان بين الرياضة والقضايا الاجتماعية. وانطلاقاً من روح التثقيف في مجال الرياضة، قام أيضاً باصطحاب الشباب للركض معه في الهند والصين.
كما يشارك كريم موسطا مع نادي روتاري أتلانتيك في القوافل الإنسانية. ومنذ عشر سنوات حتى الآن، وهو يلقي محاضرات في السجون في جميع أنحاء فرنسا، مع جمعية "نوفيو فينس". كما يعمل أيضاً مع الشركات والكليات والجامعات، مما يجعل من السهل التواصل معه عبر موقعه الإلكتروني.
بات كريم موسطا الآن رائدًا في سباقات التحمل لمسافات طويلة، حيث قطع رحلات من البرازيل إلى الصين، مرورًا بالمكسيك والولايات المتحدة، والهيمالايا وأستراليا، وإيران وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. ويؤكد أن هدفه هو "اكتشاف العالم" أكثر من كسب المال. وبنفس الروح، كانت مغامرته الأخيرة بالدراجة من الدار البيضاء إلى بكين.
يقول كريم "لا أحب تقليد الآخرين. أردت أن أفعل أكثر مما فعلته". واستلهم هذه الرحلة من مغامرات الرحالة ابن بطوطة. بمساعدة رعاته، حصل على الدعم اللازم لتسهيل رحلته عبر القنوات الإدارية المختلفة. كما تواصل مع السفارة في الرباط عبر جمعية صداقة بين البلدين للحصول على تأشيرات الإقامة.
وعاد كريم موسطا سالمًا، وبدأ يشارك تجربته مع الشباب في مدينته الأم الدار البيضاء. وفي لقاء مع أشبال نادي رحال لكرة القدم، قدم كريم تجربته كدرس للأطفال، وقال "أركز على أمرين: التعليم والرياضة ليكونوا دائمًا نسخة أفضل من أنفسهم، وأيضًا كي يكونوا طيبين مع الآخرين، لأن التربية هي المفتاح".