القائمة

أخبار

دياسبو #339: كريمة موال.. مغربية تحارب الصور النمطية عن المهاجرين في إيطاليا

تعيش الصحفية والكاتبة كريمة موال بإيطاليا، التي هاجر إليها والداها من أجل العمل وتحقيق مستقبل أفضل لأبنائهما. وتحارب المهاجرة المغربية التي تفتخر بازدواجية ثقافتها، بهذا البلد الأوروبي، الخطاب المعادي للأجانب الذي يتبناه اليمين المتطرف بالحقائق والأرقام. في كتابها الجديد، تسرد قصص 11 إيطاليًا من أصول مهاجرة، حول هذه الظاهرة.

نشر
DR
مدة القراءة: 8'

تشتغل كريمة موال وهي كاتبة، صحفية مع مجموعة من الصحف الوطنية الرائدة في إيطاليا. وبالإضافة إلى كونها حاصلة على درجة الدكتوراه في اللغات والحضارات الشرقية، فهي أيضًا شخصية بارزة في مجال البث السياسي الإيطالي. كما أنها تعلمت اللغة الإيطالية بسرعة كبيرة من خلال علاقاتها الاجتماعية.

قبل الانتقال إلى إيطاليا، أمضت كريمة موال سنواتها التسع الأولى في المغرب. وقالت خلال حديثها مع يابلادي "كان والدي أول من هاجر إلى إيطاليا في نهاية السبعينيات، وبعدها التحقت به والدتي بعد عام واحد فقط من ولادتي. لقد عملا بجد لتحقيق مستقبل أفضل لأبنائهما". ونشأت هي وإخوتها في مسقط رأسها في الدار البيضاء، بمنزل العائلة، حيث كانت محاطة بعطف أجدادها وأعمامها.

"على الرغم من أنني كنت بعيدة عن والداي، إلا أنني حظيت بحبهم وحب جميع أفراد العائلة، بالإضافة إلى نشأتي مع إخوتي. لازلت أحتفظ، من تلك السنوات في المغرب، بذكريات جميلة عن طفولتي وتلك الأيام التي كنت أذهب فيها إلى المدرسة وألعب ولم أشعر بالوحدة أبدًا. في الواقع، تلك الفترة من حياتي هي التي تحدد الآن علاقتي ببلدي الأصلي ولغته وثقافته وتقاليده".

كريمة موال

بمجرد استقرار وضع الوالدين المهني في إيطاليا، تم لم شمل الأسرة الصغيرة، حيث التحقت كريمة وإخوتها بوالديها في مدينة سانتيا (منطقة بيمونتي). وقالت كريمة "حتى بعد أن غادرت المغرب، لم نفقد التواصل مع وطننا. كان والداي يحرصان دائماً على السفر معنا إلى هناك مرتين في السنة. ومع ظهور أطباق الأقمار الصناعية، بدأنا بمشاهدة التلفزيون الوطني في سانتياغو وكذلك القنوات العربية، مما ساعدني على عدم فقدان لغتي".

في تلك المدينة الصغيرة الواقعة في شمال غرب البلاد، والتي يبلغ عدد سكانها 10,000 نسمة، كانت عائلة موال هي العائلة الوحيدة ذات الأصول المهاجرة. في أوائل التسعينيات، كانت كريمة التلميذة الوحيدة من أصل مغربي في المدرسة. وعلى الرغم من هذه البيئة المتناقضة مع بلدها الأم، لم تواجه كريمة أي مشكلة في الاندماج في نظام تعليمي لم يكن قد تم تكييفه بعد لاستقبال الأجانب. وقالت "لقد تطلب الأمر الكثير من الجهد، لكنني تدبرت الأمر بمفردي. لديّ أيضًا ذكريات جميلة جدًا عن طفولتي الإيطالية. لم أكن أبدًا ضحية للعنصرية في ذلك الوقت".

بدأت كريمة موال بملاحظة تغير المفاهيم من حولها في مرحلة المراهقة. كما أن عدد الأشخاص من خلفية مهاجرة في إيطاليا، أخذ في التزايد خلال نهاية التسعينات، وأصبح الموضوع مسيسًا في المناقشات الوطنية. وفي أعقاب أحداث 11 شتنبر، انضافت قضايا الإسلام والتطرف الديني. وتحكي كريمة، "في التاسعة عشرة من عمري، كان عليَّ أن أختار دراستي الجامعية، دون أن أنسى أنني لست مثل أقراني. وبحكم أنني كنت مزدوجة الثقافات، كان ينظر إليّ بشكل مختلف كامرأة ومسلمة ومغربية ومن أصل عربي. كنت أقنع نفسي أن ثقافتي المزدوجة يجب أن تكون مصدر قوتي وقيمتي المضافة". لذلك ذهبت الصحفية إلى جامعة لاسابينزا في روما لدراسة اللغات والحضارات الشرقية.

وقد مكنها هذا الاختيار من التخصص في القضايا المتعلقة بالعالم العربي وثقافات المنطقة وسياساتها، وفي الوقت نفسه اكتساب معرفة أكاديمية بتراثها الخاص.  وقالت "في أعقاب أحداث 11 شتبنر، كان صعود العنصرية والإسلاموفوبيا بشكل خاص حادا. لكن في مواجهة ذلك، أدركت أنه لم تكن هناك أصوات كافية لطرح حجج مضادة مبنية على أسس علمية ومنهجية لمواجهة الخطابات والأفكار والأخطاء والأرقام والحقائق. لذلك كان لديّ حدس قوي بأن خلفيتي المزدوجة ستكون في حد ذاتها حجر الزاوية، لكن هذه المساهمة وهذه الإمكانية بحاجة إلى تعزيزها من خلال استثمارها في المعرفة".

منذ أول عامين دراسيين، تميزت كريمة موال عن زملائها الطلاب في قاعة المحاضرات. وتتذكر كريمة قائلة "التقيت في الجامعة بصحفية من صحيفة لا ريبوبليكا. أخبرتني أن صحيفتها، وهي الأكثر انتشارًا في إيطاليا، كانت تبحث عن موظفين من الجيل الثاني من المهاجرين لتقديم محتوى صحفي، بمواضيع يتقنها الكتاب بشكل جيد، في نهج قائم على التنوع المهني والصرامة".

"بينما كنت لا أزال طالبة، وجدت نفسي أكتب في إحدى الصحف، على الرغم من أنني لم أتخيل أنني سأمتهن هذا المجال... في ذلك الوقت، كنت أفكر في البحث الأكاديمي أو مهنة التدريس. هذه الخلفية الأكاديمية في حد ذاتها ساعدتني كثيرًا كصحفية، لدرجة أنها أصبحت سمة مميزة لكتاباتي ومساهماتي."

كريمة موال

مواجهة اليمين المتطرف في الصحافة المكتوبة وعلى الشاشة

من الصحافة المكتوبة في إيطاليا، انتقلت كريمة موال إلى التلفزيون بانضمامها إلى برنامج TG1، وهو البرنامج الإخباري للقناة العامة الرئيسية Rai 1، حيث كانت تقدم فقرة حول قضايا الهجرة. ثم انتقلت بعد ذلك للكتابة في صحيفة Il Sole 24 Ore، وهي الصحيفة الاقتصادية والمالية اليومية الرائدة في البلاد، حيث كانت تتناول القضايا ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للهجرة. وبفضل حصولها على درجة الدكتوراه في اللغات والحضارات الشرقية، وسّعت نطاق عملها ونشرت مقالات متعمقة تصدرت الصفحات الأولى لوسائل الإعلام التي تكتب لها.

في الوقت نفسه، بدأت كريمة موال مسيرتها المهنية كمراسلة سمعية بصرية، وأنتجت أول فيلم وثائقي لها عن أحداث 11 شتنبر، حيث أعطت صوتًا للأمريكيين من أصول عربية. وبدأت كريمة تشق طريقها ببطء ولكن بثبات، وأصبحت كاتبة افتتاحية في صحيفة "لا ستامبا" وصحيفة "لا ريبوبليكا"، بالإضافة إلى كونها مقدمة تلفزيونية ومتحدثة في المناظرات السياسية. خلال مسيرتها المهنية التي امتدت لـ 17 عامًا، صنعت لنفسها اسمًا بين زملائها من خلفيات متنوعة، وأصبحت شخصية لها صوتها، يستمع إليها ويتابعها الناس من جميع الاتجاهات.

وبالرغم من أن كريمة أصبحت تجني ثمار عملها الدؤوب ومهاراتها ومجهودها الشخصي، إلا أنها كانت مصدر إزعاج في أعين اليمين المتطرف. وباتت تتعرض للهجوم، من خلال التعليقات السلبية والمعادية للأجانب والعنصرية، تارة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتارة على شاشات التلفزيون. وقالت "كانت حركات منظمة بشكل جيد، لدرجة أنني تلقيت تهديدات بالقتل. أعلم أن أفكاري ووجودي في حد ذاته هو ما يشكل مشكلة بالنسبة لهم. لدي رد وأواجههم بحجج علمية قوية. هذا ما يزعج الناس حقًا، لكن هذه هي شخصيتي!".

"لا يمكنني أن أسمح بتمرير خطاب تشويه السمعة، بل وحتى خطاب الكراهية الذي يشكك في مواطنة الإيطاليين على أساس أنهم ينحدرون من خلفية مزدوجة الثقافة. أنا أشارك بحرية في النقاش السياسي كصحفية إيطالية بنت حياتها من خلال عملها وعمل والديها. لماذا يجب أن يكون رأيي في الشؤون العامة أقل من رأي أي مواطن وُلد هنا، أنا نشأت هنا".

كريمة موال

إضفاء الطابع الإنساني على روايات الهجرة

وتظل الصحفية ممتنة للدعم الذي تتلقاه من جميع الجهات لجهودها الرامية إلى تفكيك الأفكار المسبقة حول الهجرة، في إيطاليا وفي جميع أنحاء أوروبا. بالنسبة لها، يكمن الاهتمام في تقويض الأكاذيب التي تنقلها نظرية الاستبدال العظيم، والتي برزت إلى الواجهة خاصة في السياق الانتخابي. في الفترة التي تسبق الانتخابات الأوروبية المقرر إجراؤها في يونيو، تذكّر كريمة موال بقيمة سياسة الاندماج الفعالة، مع ما يترتب عليها من تداعيات اجتماعية واقتصادية وصناعية وثقافية.

"إن مسألة الاندماج غائبة عن النقاش الحالي. لا يوجد حتى الآن أي اهتمام بالمبدأ الدستوري، أو بالملايين الخمسة من المهاجرين المقيمين بشكل قانوني في إيطاليا، الذين يساهمون في رصيد صندوق الضمان الاجتماعي ومساهمات التقاعد، في بلد يشهد شتاءً ديموغرافيًا وحيث تمثل المساهمة الاقتصادية للأجانب الآن 10% من الناتج المحلي الإجمالي".

في إطار تقديم سرد بديل، أصدرت كريمة موال مؤلفًا تم تقديمه في المغرب بالمعرض الدولي للنشر والكتاب (SIEL 2024) في الرباط، كجزء من برنامج مجلس الجالية المغربية في الخارج. ويحمل الكتاب عنوان "Il freddo in Africa e altre storie di un'Italia nata altrove" (البرد في أفريقيا وقصص أخرى لإيطاليا التي ولدت في مكان آخر)، الصادر عن مطبعة جامعة لويس، ولد من إحساس الكاتبة بواجبها في مواجهة تمثيلات المهاجرين المرتبطة بالجريمة والجنوح والطائفية. وللقيام بذلك، جمعت الكاتبة 11 شهادة من مواطنين إيطاليين من خلفيات متنوعة. يروي كل واحد منهم قصته الفريدة من نوعها، ويجسد قصة نجاح.

"اخترت أن أمثل مواطنين من خلفيات ثقافية مختلفة، اعتمادًا على الجنسيات المزدوجة الموجودة لدينا في إيطاليا. هناك أشخاص من عائلات صينية وألبانية وبولندية، ومن دول إفريقية بما في ذلك المغرب، ومن الشرق الأوسط... كما توضح هذه القصص أيضًا معالم التسلسل الزمني في تاريخ الهجرة، من السبعينيات إلى يومنا هذا."

كريمة موال

ويتطرق الكتاب أيضا إلى "تطور السياسات، والنظرة إلى هنا وفي أماكن أخرى...". وتحكي كريمة "قبل كل شيء، أردت أن أسلط الضوء على رواد الأعمال الذين يساهمون في تعزيز مكانة "صنع في إيطاليا" وفي التنمية الاقتصادية لبلدانهم الأصلية". بالنسبة لها، "إنه كتاب عن الشجاعة والتضحية والمثابرة والأحلام والجرأة والعمل الجاد الذي يميز النساء والرجال الذين يبنون إيطاليا ويعرفون من أين أتوا".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال