تعتمد مواقع إخبارية ومؤسسات ومراكز بحثية مغربية وعربية معروفة، في بعض مقالاتها المتعلقة بتصنيف الدول في "مؤشر الأمان" و"مؤشر التلوث" و"مؤشر جودة المعيشة"، على موقع يدعى "نامبيو". فهل تتمتع إحصائيات وتصنيفات هذا الموقع بالمصداقية؟
موقع "نامبيو" والإعلام العربي
دأبت مواقع إلكترونية معروفة في المغرب والعالم العربي، على نقل أخبار وتقارير عن موقع "نامبيو"، مع وصفه بأنه "موسوعة قاعدة البيانات العالمية"، وبأنه "من أكبر وأشهر قواعد البيانات على شبكة الإنترنت في العالم"، و"قاعدة البيانات الشهيرة"، وبأنه "متخصص في قياس نسب الجريمة والأمان عالميًا"، وأيضا بأنه " موقع أمريكي يوفر آلاف المعطيات والإحصاءات".
وتحرص هذه المواقع، في الغالب، على تضمين مقالاتها التي تعتمد على الإحصائيات التي يقدمها هذا الموقع، عبارات مختلفة تدل على مصداقيته ودقته وعالميته.
وفي إحدى مقالاته قال موقع "هسبريس" وهو أكبر موقع إخباري مغربي، نقلا عن إحصائيات "نامبيو"، إن نسبة تلوث مياه الدار البيضاء تبلغ "67.50 في المائة"، فيما قال موقع قناة "الجزيرة مباشر" في مقال اعتمد فيه على موقع "نامبيو" إن "قطر الأولى عالميا من حيث الأمان وانخفاض الجريمة"، ونشر موقع "العربي الجديد" اعتمادا على نفس الموقع أن "لبنان الأول عربيا في غلاء المعيشة"، وقال موقع "الجزيرة" في مقال له مصدره "نامبيو" إن المغرب أسوأ دولة في العالم في الرعاية الصحية.
وبالإضافة إلى هذه الأمثلة، تتناوب مواقع عربية كبرى، على نشر مقالات بين الفينة والأخرى تعتمد فيها على "نامبيو".
منظمات ومراكز بحثية ومؤسسات حكومية أيضا
ولم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام، فقد نقلت وزارة الداخلية القطرية بالاعتماد على "نامبيو" أن قطر أكثر الدول أمانا في العالم، كما أن موقعا حكوميا قطريا اعتمد على إحصائيات "نامبيو" لدعوة السياح إلى زيارة البلاد.
وقام مدير عام شرطة أبوظبي برفع "أسمى آيات الشكر والامتنان للقيادة الرشيدة، والتي وفرت كل السبل والموارد لتعزيز الأمن الوطني"، وذلك بعد تبوأ إمارة أبوظبي المرتبة الأولى في مؤشر "نامبيو" للمدن الأكثر أمانا في العالم.
واعتمدت دولة قطر إحصائيات موقع "نامبيو" في استعراضها الطوعي لسنة 2021 المقدم إلى مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
كما أنه يتم اعتماد إحصائيات الموقع في بعض الأبحاث الأكاديمية، والدراسات الجامعية، والمجلات العلمية ، ومن قبل بعض المراكز البحثية المعروفة، مثل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومنتدى الاستراتيجيات الأردني، ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
واستغل "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" إحصائيات "نامبيو" لانتقاد السياسات الحكومية في تونس.
كما اعتمد موقع "الدار" المغربي أيضا إحصائيات موقع "نامبيو"، للحديث عن "تنامي الجريمة في الجزائر بجميع أشكالها، بشكل يزرع الرعب ويبث الخوف في نفوس الشعب الجزائري"، بالمقابل أشارت وكالة الأنباء الجزائرية في مقال لها إلى إحصائيات "نامبيو" حول تدهور مستوى المعيشة لمهاجمة المغرب.
من جانبها، استغلت جماعة العدل والإحسان وهي أكبر جماعة إسلامية في المغرب، مؤشر "نامبيو" الذي صنف المملكة في المرتبة الأخيرة في الرعاية الصحية، لمهاجمة الحكومة. كما تم تداول التصنيف على نطاق واسع في المواقع الإخبارية المغربية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل وزارة الصحة تخرج عن صمتها وتشير في بلاغ إلى أن هذا التصنيف يفتقر للدقة والموضوعية.
حقيقة موقع "نامبيو"
تم إنشاء موقع "نامبيو" سنة 2009، من قبل مواطن صربي يدعى ملادين أداموفيتش، وهو موقع مسجل في صربيا.
ويؤكد الموقع نفسه بأنه يسمح "لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت بتغيير محتواه"، وبأنه "لم يتم بالضرورة مراجعة أي شيء موجود هنا من قبل أشخاص لديهم الخبرة المطلوبة لتزويدك بمعلومات كاملة ودقيقة وموثوقة. استخدم المحتوى الخاص بنا على مسؤوليتك الخاصة".
ويواصل الموقع "نحن لا نقدم أي ضمانات بأن خدماتنا سوف تلبي متطلباتك، أو أن تكون غير منقطعة، أو في الوقت المناسب، أو دقيقة، أو خالية من الأخطاء، أو أن معلوماتك ستكون آمنة".
وأكد بأنه "لا يوجد ضمان على الإطلاق على دقة أي من البيانات أو المقالات. لا يوجد أي ضمان على الإطلاق بأن أي بيان وارد على الموقع صحيح أو دقيق".
ويخلي الموقع مسؤوليته "تجاهك أو تجاه أي طرف آخر عن أي أضرار مباشرة أو غير مباشرة" قد يتسبب فيها.
ويقدم الموقع نفسه على أنه متخصص في إصدار العديد من المؤشرات بصفة سنوية ونصف سنوية، ويستمد المعطيات من متصفحيه، إذ يتيح لهم التعبير عن تقييمهم لأي مؤشر من مؤشرات الموقع، دون أي تحقق من المعلومات التي يتم الإدلاء بها.
ويمكن لشخص واحد أن يغير ترتيب أي مؤشر من خلال الإدلاء بتقييمه مرات متعددة، فمثلا يمكن لمتصفح واحد أن يمنح تقييما لمدينة ما بأنها آمنة، ثم يكرر الأمر نفسه عدة مرات، لتنتقل من كونها مدينة آمنة إلى المدينة الأكثر إجراما في العالم.
فمثلا، ما بين 28 ديسمبر 2022، و2 يناير 2022، تغير ترتيب العاصمة المغربية الرباط، في "مؤشر الجريمة" وانتقلت من المرتبة 301، إلى المرتبة 290، بسبب إدلاء متصفحين اثنين برأيهما.
كما أن استخدام "نامبيو" لآراء زواره، في تصنيفاته لا يتم وفق منهج علمي، فمثلا يوم 28 دجنبر 2022، كانت العاصمة النيبالية المدينة الأكثر تلوثا في العالم (بالاعتماد على آراء 216 شخصا)، متبوعة بتيتوفو من مقدونيا الشمالية في المرتبة الثانية (بالاعتماد على آراء 112 شخصا)، ثم فريد أباد الهندية (بالاعتماد على آراء 91 شخصا)، متبوعة بأولان باتور المنغولية (آراء 91 شخصا)، وجاءت الدار البيضاء المغربية في المرتبة 32 ( آراء 92 شخصا)، ومراكش المغربية أيضا في المرتبة 37 (آراء 60 شخصا).
لذلك، يتضح أن "نامبيو" مجرد موقع إلكتروني يجمع آراء زواره حول عدة مواضيع (يطلق عليها مؤشرات)، ما يجعله شبيها إلى حد ما بـ"المنتديات الإلكترونية"، وتفتقر المعلومات التي يقدمها إلى الدقة، وهي بعيدة كل البعد عن أن تكون علمية أو ذات مصداقية.
مؤشرات ذات مصداقية
ومقابل "مؤشر نامبيو" للأمن في العالم، والذي يعتمد على آراء المتصفحين، ينشر معهد السلام والاقتصاد العالمي التابع لجامعة سيدني بشكل سنوي، "مؤشر السلام العالمي"، ويعتمد فيه على عدة مؤشرات فرعية من بينها: الوفيات الناجمة عن الصراع الخارجي، والعسكرة، والإرهاب، والأمن الغذائي، والاستقرار السياسي، والعلاقات مع الدول المجاورة، واللاجئين والنازحين داخليًا، والأثر الاقتصادي العالمي للعنف، والمساواة بين الجنسين، وعدد المساجين...
ويختلف تصنيف هذا المؤشر الذي يخضع لمعايير علمية، عن تصنيف "نامبيو"، إذ جاءت قطر في المرتبة المرتبة 23 عالميا، فيما حلت أيسلندا المرتبة الأولى عالميا.
وفيما يخص مؤشر التلوث، وعلى عكس موقع "نامبيو"، تدرس منظمة الصحة العالمية، مستويات التلوث بالاعتماد على قاعدة بيانات لرصد نوعية الهواء في الأماكن العامة، تعتمد فيها على التقارير الرسمية من الحكومات، ونظام "الهواء النظيف في آسيا" وقاعدة بيانات "الإبلاغ الإلكتروني عن نوعية الهواء في أوروبا" التابعة للوكالة الأوروبية للبيئة، والقياسات الأرضية المجمّعة لمشروع "العبء العالمي للمرض"...
جدير بالذكر أن الأمر لا يقتصر على وسائل الإعلام والمؤسسات والمراكز البحثية العربية، فقد وقعت وسائل إعلام غربية معروفة أيضا ضحية للموقع الصربي، من قبيل "فوربس"، و "أورونيوز"، و"فوكس نيوز" و "روسيا اليوم"، ووكالة الأنباء الإسبانية "أوروبا بريس"...