تصاعدت الدعوات في المغرب لقطع العلاقات مع إسرائيل، ردا على اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني والمستمرة منذ 27 يوما، وعاد البعض للتذكير بقطع المملكة لعلاقاتها بالدولة العبرية سنة 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقمعها بشدة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وكان الملك الحسن الثاني قد أقام علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل سنة 1994، بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو الأولى بين الفلسطينيين وإسرائيل، واقتصرت العلاقات على مكتبي اتصال في تل أبيب والرباط، ليصبح المغرب آنذاك الدولة العربية الثالثة بعد مصر والأردن التي تقيم علاقات رسمية مع الدولة العبرية.
ومع استئناف العلاقات بوساطة أمريكية في دجنبر 2020، اتصل الملك محمد السادس برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس وأكد على دعم المملكة الثابت للقضية الفلسطينية. وكرر مسؤولون مغاربة نفس الأمر، ولم ينتقد كبار القادة الفلسطينيين علنا تطبيع العلاقات بين المغرب والدولة العبرية، عكس ما كان عليه الأمر مع البحرين والإمارات.
ومع مرور بضعة أشهر بدأت العلاقات المغربية الإسرائيلية تتعمق وتتعزز أكثر، واتسعت لتشمل جميع الميادين تقريبا، بما في ذلك الميدان العسكري والأمني.
وفي يوليوز الماضي أعلن الديوان الملكي أن الملك محمد السادس، تلقى رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعلن فيها اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء.
ومع اندلاع الحرب الجديدة بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل يوم السابع من أكتوبر، وارتكاب الجيش الإسرائيلي للعديد من المجازر في حق الفلسطينيين، خرج عشرات الآلاف من المغاربة للشوارع للتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطيني، ومطالبتهم بالتراجع عن التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط.
كما طالب الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب فيدرالية اليسار الدولة المغربية بالوقف الفوري للتطبيع مع إسرائيل، ورفع قياديون في حزب العدالة والتنمية نفس المطلب. فهل يتكرر سيناريو سنة 2000؟
لغة أكثر حدة
ومنذ بداية الحرب الحالية في غزة، أصدر المغرب عدة بلاغات، بدء من اليوم الأول (7 أكتوبر)، حيث أدانت المملكة "استهداف المدنيين من أي جهة كانت"، إلى آخر بلاغ نهار اليوم بدت لهجته أكثر حدة اتجاه العدوان الإسرائيلي، حيث تحدث عن "تواصل قصف دور العبادة والمستشفيات ومخيمات اللاجئين وآخرها مخيم جباليا"، وإرغام "أكثر من مليون شخص على النزوح"، وحرمان "الساكنة من الماء والكهرباء والوقود، مما ترتب عنه وضع إنساني كارثي".
وأكدت المملكة في البلاغ أن "جميع هذه الأعمال التصعيدية الإسرائيلية تتنافى مع القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة، وتنذر بتمدد الصراع داخل الأراضي الفلسطينية واتساع رقعة العنف بشكل خطير ليشمل مناطق مجاورة، مهددا أمن واستقرار المنطقة بأسرها".
وعبر المغرب عن أسفه "وخيبة أمله من تقاعس المجتمع الدولي وعدم تحمل مجلس الأمن لمسؤولياته، وعجز الدول المؤثرة، عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي".
التطبيع المغربي هو "الأشد تأثرا"
وفي تحليل له قال "معهد واشنطن" الذي يتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرا له إن الحرب الدائرة بين إسرائيل و حماس ستؤدي "إلى زيادة صعوبة الحفاظ على التقدم الدبلوماسي الذي أحرزته الولايات المتحدة وإسرائيل مع حكومات شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة، ناهيك عن توسيع هذا التقدم، خاصة مع اشتداد المعارضة الشعبية".
وتابع "قد يكون المغرب هو البلد الأشدّ تأثراً نظراً إلى علاقاته القوية نسبياً مع إسرائيل والولايات المتحدة، في حين أن الاتجاهات المناهِضة للتطبيع تتعزز بقوة في دول أخرى من المنطقة، مما يخلق تحديات جديدة لواشنطن".
وأشار المعهد إلى "أن التعاون الاستراتيجي الملحوظ بين إسرائيل والمغرب القائم منذ عام 2020 قد يقع ضحية النتائج السلبية المترتبة عن أحداث غزة. فقد واظب البلدان على تعزيز شراكتهما الأمنية، بما في ذلك من خلال بيع الطائرات بدون طيار، والدبابات، وبرامج التجسس التي هي أكثر إثارة للجدل. ومن المرجح أن تتباطأ عمليات نقل هذه الأسلحة بما أن قدرة الإمداد العسكرية الإسرائيلية تتعرض للضغط بسبب الحرب".
وعاد المركز ليؤكد أنه "على المدى الطويل، من غير المرجح أن يعلّق المغرب علاقاته مع إسرائيل أو يغيّر نهجه الأمني تجاه الصحراء الغربية والجزائر. لذلك، على الولايات المتحدة أن تنظر في سبل تعزيز التكامل الإقليمي مع دمج المشاعر العامة حول القضية الفلسطينية، على سبيل المثال من خلال التبادلات العابرة للأوطان أو أشكال الحوار الأخرى حول هذا الموضوع".
قطع العلاقات غير مستبعد
وفي تصريح لموقع يابلادي قال عبد الرحيم العلام أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي، جامعة القاضي عياض، إن المغرب أكد أثناء توقيعه على الاتفاق الثلاثي بأن التطبيع "لا يمكنه أن يؤثر على العلاقات القديمة والمبدئية مع فلسطين"، وأضاف أن "ارتباط المغرب بفلسطين ليس ارتباطا اختياريا يمكن الانفكاك عنه في أي لحظة، هو ارتباط عقائدي، مثل ارتباطه بمكة في السعودية ليس كحكومة ولكن كمنطقة، القدس وفلسطين بالنسبة للمغرب ليست قضية مصلحة".
وواصل "القضية الفلسطينية لها خصوصيتها بالنسبة للمغرب بصفته دولة إسلامية، يرأس قائدها لجنة القدس"، وبخصوص التأثير المحتمل لأي قرار بخصوص وقف التطبيع قال "الدعم الأمريكي او الإسرائيلي لمقترح الحكم الذاتي يمكن تجاوزه. بالقطع لن يؤثر بشكل كبير على القضية، المغرب لا يحتاج إلى الاعتراف من أي دولة كانت، المغرب دول قائمة الذات من قرون، المغرب يحتاج الدعم لمقترح الحكم الذاتي وليس الاعتراف".
وأضاف "كان المغرب مترددا في بداية الألفية الثالثة، ولم يغلق مكتب الاتصال مع بداية الانتفاضة. المغرب تربطه مصلحة براغماتية مع إسرائيل، وليست هناك علاقة مبدئية عكس ما هو عليه الحال مع القدس وفلسطين. مع فلسطين لا توجد مصلحة بل علاقات مبدئية".
وأكد أنه "عندما تترجح كفة الربح في العلاقات مع إسرائيل المغرب يرحب بذلك، عندما تترجح كفة الخسارة المغرب لن يبالي بهذه العلاقات" وضرب مثالا بالأردن التي سحبت سفيرها من تل أبيب. وأضاف "من يعتقد أن ما يحدث لن يؤثر بشكل كبيرا فهو مخطئ".
خطوة تاريخية
بدوره قال أحمد بوز أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط "أعتقد أنه إذا ذهبت السلطات المغربية في هذا الاتجاه، سيذكرنا ذلك بما وقع في بداية الألفية الثالثة".
وبحسبه فإن "ربط قضية الصحراء بالتطبيع فيه نقاش"، وأوضح "دفاع المغرب على وحدته الترابية يتوقف على إرادة المغاربة، العامل الخارجي مكمل وليس محددا في هذه المسألة، وأنا أعتبر أن هناك مزاج شعبي ضاغط يناصر بقوة الفلسطينيين، والمعطيات الدولية بدأت تتغير فيما يخص الدفاع الأعمى عن إسرائيل بعدما تورطت في قتل المدنيين".
وأكد أنه في حال اتخاذ المغرب قرارا بقطع العلاقات "فإن ذلك سيكون له وقع وتأثير كبير وسيسجل عودة قوية بالنسبة للمغرب لساحة التأثير والفعل في العالمين العربي الإسلامي".
وعاد ليؤكد أن "موضوع النقاش ليس هو وجود علاقات سياسية أو دبلوماسية هذه مسألة يمكن تقبلها في حدود، المهم هو العلاقات الشعبية والمؤسساتية والثقافية والتطبيع الكلي، أظن أن التجربة المصرية رائدة في هذا المجال، مصر وقعت اتفاقية سلام ولكن المجتمع المصري بقي محصنا، وهذا ما يعطي دفعة معنوية للفلسطينيين".
وأنهى حديثه قائلا "المغرب إن قطع العلاقات سيكون موقف تاريخي وسيسجل بمداد من الفخر للمغاربة".
الأردن والبحرين يستدعيان سفيريهما
ومساء الأربعاء أعلنت الأردن، استدعاء سفيرها لدى إسرائيل، ونشرت وزارة الخارجية الأردنية بيانا على حسابها الرسمي بموقع "إكس" قالت فيه "قرر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، اليوم، استدعاء السفير الأردني في إسرائيل إلى الأردن فورا، تعبيرا عن موقف الأردن الرافض والمدين للحرب الإسرائيلية المستعرة على غزة، والتي تقتل الأبرياء".
وأبلغت الخارجية الأردنية الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها الذي كان غادر المملكة سابقا.
من جانبها أعلنت البحرين اليوم الخميس، أن السفير الاسرائيلي غادر المملكة، مقابل عودة سفيرها من إسرائيل، إضافة إلى وقف العلاقات الاقتصادية معها.
وبذلك تكون البحرين، أولى الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام، تتخذ قرارا من هذا النوع. فيما وقعت الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل سنة 1994.