بشموخ واعتزاز وقفت المغربية نهيلة بنزينة مرتدية حجابها داخل المستطيل الأخضر لتمثيل بلادها وإرثها وتقاليدها الإسلامية في مواجهة فرنسا التي تحظر ارتداء الحجاب داخل الملاعب الكروية. وفي مونديال أستراليا ونيوزيلندا 2023 لكرة القدم للسيدات، حققت لاعبات المغرب نجاحا كرويا في أول مشاركة لهن في بطولات كأس العالم للسيدات.
ورغم الخسارة أمام فرنسا 4- صفر في دور الـ 16 وتوديع البطولة، حققت نهيلة بنزينة نجاحا خارج المستطيل الأخضر مع رمزية حجابها.
وكما كان المغرب أول منتخب عربي يشارك في كأس العالم للسيدات، كانت مدافعة المنتخب نهيلة بنزينة أول لاعبة ترتدي الحجاب في كأس العالم للسيدات لكرة القدم على مستوى الكبار.
وفي مقابلة مع DW، قالت لاعبة المنتخب المغربي، روزيلا أيان: "كان الأمر جيدا، سوف تلهم نهيلة الكثير من الفتيات ليس فقط في المغرب وإنما حول العالم لأنها أثبتت أن بإمكانهن القيام بكل ما يرغبن فيه. أنا سعيدة جدا لها لأنها أدت بشكل قوي في البطولة وتستحق ذلك".
وكان دور نهيلة بارزا في البطولة حيث ساعدت منتخب المغرب في الفوز على كوريا الجنوبية ثم كولومبيا بعد الخسارة في أول مباراة أمام منتخب ألمانيا 6-0، ليصعد الفريق المغربي إلى مرحلة خروج المغلوب وسط إشادة بالجدار الحديدي لدفاع منتخب المغرب والذي قادته نهيلة.
والأهم من ذلك، أن بنزينة منحت وعيا بمبدأ "الدمج" في الرياضة ووضعت المسؤولية على عاتق الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، خاصة وأن مسار إقرار ارتداء اللاعبات المسلمات للحجاب داخل ملاعب كرة القدم يعود إلى زمن طويل.
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "الدمج" يتعلق عموما بقبول التعددية وإنشاء مجتمع يتمتع فيه الجميع بفرص وحقوق متساوية، بغض النظر عن العرق والدين والجنس وما إلى ذلك.
ويعود الفضل في إثارة قضية الحجاب إلى الكندية أسمهان منصور، التي كانت محور النقاش الذي أفضى إلى إقرار ارتداء الحجاب داخل المستطيل الأخضر.
وتعود واقعة أسمهان منصور إلى عام 2007 عندما حاولت اللاعبة الشابة، التي كانت تلعب لفريق محلي يمثل العاصمة أوتاوا، ارتداء الحجاب في إحدى البطولات، لكن حكم المباراة لم يسمح لها بذلك استنادا إلى قرارات الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وعلى إثر منعها، قرر فريقها الانسحاب من المسابقة، التي كانت تقام في مدينة لافال بمقاطعة كيبيك.
وقدمت أسمهان منصور والاتحاد الكندي لكرة القدم طعنا ضد قرار الفيفا، الذي أكد أن حظره للحجاب يعود إلى سببين الأول: يتمثل في أن الحجاب قد يؤدي إلى وقوع إصابات. أما السبب الثاني فهو أنه يرى أن الحجاب ينتهك القاعدة الخاصة بأن تكون المعدات والملابس خالية من أي تعبير سياسي أو ديني.
وفي عام 2010، قرر الفيفا منع المنتخب الإيراني الأولمبي النسائي من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية للشباب بسنغافورة بسبب أن اللاعبات أردن ارتداء الحجاب خلال المنافسة، لكن في النهاية سُمح لهن باللعب لكن شريطة ارتداء قبعات بدلا من الحجاب.
وفي عام 2011، حُرم منتخب إيران للسيدات من اللعب أمام نظيره الأردني بسبب ارتداء لاعباته الحجاب ضمن تصفيات أولمبياد لندن 2012 في عمان.
لكن في عام 2012، سمح مجلس اتحاد كرة القدم (إيفاب) الذي يسن قوانين كرة القدم في العالم، بتدشين فترة تجريبية لمدة عامين يتم خلالها ارتداء اللاعبات "الحجاب الرياضي".
وعلى إثر ذلك، عمد مصممو الأزياء الرياضية إلى تصميم حجاب ضيق خفيف يتوافق مع مخاوف الفيفا المتعلقة بالسلامة فيما جاء في الحكم الصادر عن مجلس الاتحاد الدولي بأنه "لا توجد دراسات طبية تشير إلى حدوث إصابات بسبب ارتداء الحجاب".
وبعد انتهاء المرحلة التجريبية، سمح الاتحاد الدولي لكرة القدم بارتداء الحجاب خلال المباريات الدولية ابتداء من عام 2014 .
حظر الحجاب مستمر في فرنسا
ويرى خبراء أن خوض نهيلة، وهي مرتدية الحجاب، المواجهة أمام لاعبات فرنسا يحمل رمزية، إذ ما زالت تحظر فرنسا ارتداء الحجاب داخل المستطيل الأخضر.
ويحظر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم على لاعبي كرة القدم ارتداء "رموز أو ملابس تظهر بوضوح وجهات نظر المرء السياسية أو الفلسفية أو الدينية أو النقابية" خلال المسابقات.
وكانت مجموعة النساء المسلمات والتي تعرف بـ "المحجبات" قد طعنت عام 2020 في شرعية المادة الأولى من لوائح الاتحاد الفرنسي للعبة، التي تحظر منذ عام 2016 "ارتداء أي علامة أو ملابس تظهر بوضوح الانتماء السياسي، أو الفلسفي، أو الديني، أو النقابي".
وأكدت الدعوى على أن الحظر يعد "تمييزا وينتهك حقهن في ممارسة شعائرهن الدينية"، فيما حصلت اللاعبات على دعم من نجوم سابقين في المنتخب الفرنسي أبرزهم إريك كانتونا وليليان تورام.
وإزاء ذلك، يعتقد كثيرون أن نهيلة حالفها الحظ حيث تنظم بطولة كأس العالم للسيدات الحالية في أستراليا ونيوزيلندا وليس في فرنسا، التي استضافت البطولة السابقة، لأن هذا كان سيعني أنه لم يكن بمقدورها ارتداء الحجاب.
لكن هذا لم يمنع من إثارة الجدل داخل فرنسا وأيضا غضب اليمين المتطرف مع انتقاد أصوات فرنسية نهيلة بنزينة، حتى وصل الأمر إلى اعتبار أحد الصحافيين الفرنسيين قرار نهيلة ارتداء الحجاب بأنه يمثل "خطوة رجعية".
ويعزو خبراء الجدل، الذي أثاره حجاب نهيلة، إلى حساسية قضية الحجاب في فرنسا في الملاعب الكروية، حيث يضم المنتخب لاعبات مسلمات مثل نجمة المنتخب كنزة دالي، ذات الأصول الجزائرية، التي سجلت الهدف الثاني لفرنسا أمام المغرب.
وفي تعليقها على حجاب نهيلة، قالت كنزة "أنا أحترم قرار الاتحاد (الفرنسي) إذ يبدو أن هناك أسبابا لهذا الحظر، لكن على المستوى الشخصي، لا أعتقد أن ارتداء الحجاب سوف يزعج أي شخص".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "الجميع بحاجة إلى الحرية والشعور بالرضا لأن هذا الشعور سوف يكون له التأثير الهام. أنا سعيدة لأن نهيلة أكدت للعالم أنه يمكن ممارسة كرة القدم مع ارتداء الحجاب. أنا فخورة بما حققته لأن الأضواء كانت مسلطة عليها بما يعني أن الأمر لم يكن بالسهل".
ومنذ تكليفه بتولي إدارة منتخب المغرب للسيدات عام 2021، استطاع المدرب الفرنسي رينالد بيدروس إحداث تحول في الفريق فيما اختار نهيلة لتكون ضمن قوام الفريق.
وفي سؤال لـ DW عن تعليقه على حجاب نهيلة، قال بيدروس: "أنا لا أتحدث عن الدين".
مصدر إلهام للمغاربة خارج البلاد
وداخل استاد هندمارش في جنوب أستراليا الذي استضاف مواجهة المغرب وفرنسا، لاقى حجاب نهيلة إشادة كبيرة من الجماهير المغربية.
وفي مقابلة مع DW، قال أحد المشجعين إن "ارتداء نهيلة الحجاب لا يمثل خطوة كبيرة في مسار الاندماج الديني في عالم الرياضة فحسب وإنما أيضا في قبول تقاليد اللاعبات، لكنها مجرد البداية ونأمل أن تقدم فرنسا على إنهاء حظر ارتداء الحجاب داخل الملاعب".
Morocco's performances at the World Cup made their fans dream ❤️?? pic.twitter.com/YdYghbGHTN
— DW Sports (@dw_sports) August 8, 2023
وشدد مشجع آخر على أن حجاب نهيلة "يعزز الدمج الرياضي، بما يضم حرية الجميع. ويجب أن يكون لكل فرد، خاصة النساء الحق في ارتداء ما يناسبه".
ويأتي أداء نهيلة ولاعبات المغرب الجيد في بطولة كأس العالم بعد المعجزة الكروية التي حققتها أسود الأطلس (منتخب الرجال) بعد بلوغهم مرحلة نصف النهائي في مونديال قطر، وهو الأمر الذي سوف يخلق زخما كرويا في المغرب، وفق وصف المدرب بيدروس.
ومثل باقي أعضاء الفريق، قالت لاعبة المنتخب المغربي، روزيلا أيان: "نشعر بالفخر بما حققنا في البطولة لقد دخلنا التاريخ وهي خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق الكثير. ربما ألهمنا الكثير من الفتيات في المغرب وهذا يمثل انجازا لنا".