فتح الربيع العربي الباب على مصراعيه أمام المورسكيين المغاربة من أجل التعبير عن هويتهم الحضارية والدفاع عنها، فقد اعترف الدستور الذي جاء كثمرة لرياح الربيع العربي الذي هبت نسائمه على المغرب، و صادق عليه المغاربة مؤخرا و لأول مرة بالحضارة الأندلسية كأحد روافد الهوية المغربية على غرار الهوية العربية والأمازيغية والحسانية.وشجع ذلك بعض العائلات المنحدرة من أصول إسبانية والتي تحمل ألقابا مثل "لبريس والسوردو وبركاش وفنجيرو وملين وكديرة" إلى أن يتقدموا خطوة إلى الأمام من أجل إزالة الغبار عن "ملف الأندلس" عبر تأسيسهم جمعية جديدة تسمى "جمعية ذاكرة الأندلسيين".
النبش في الماضي
المورسكيين هم أحفاد مسلمي الأندلس الذين تعرضوا للتنصير أو الطرد بعدما قام أبو عبد الله آخر ملوك غرناطة بإمضاء اتفاقية يتنازل فيها عن عرش مملكة غرناطة وعن جميع حقوقه فيها رغم أنه انتزع في حينها بعض الامتيازات لرعاياه ولمسلمي الأندلس.
لكن وبمجرد تسلم ملك الكاثوليك الحكم في غرناطة حتى تنصل من الإتفاقية و بدأ يجبر المسلمين على اعتناق المسيحية وطرد وقتل من يرفض.
و في أول ندوة تنظمها "جمعية ذاكرة الأندلسيين"، تم تقديم وثائق جديدة تجسد مأساة الأجداد الذين تعرضوا لأبشع عملية تطهير عرقي عرفتها أوروبا ما بين سنة 1609 و1614، وهي الوثائق التي بدأت تجد طريقها إلى العلن بعدما طمرت قرونا بدهاليز الكنائس والأبنية الرسمية في إسبانيا.
وتقول إحدى الوثائق إن الرهبان الذين سموا أنفسهم "كلاب الرب" في إشارة إلى تفتيشهم لعقائد الناس، كانوا يمنعون الأطفال دون السابعة من مصاحبة آبائهم، وإن 46 حارسا بمدينة بلنسية قاموا بفصل حوالي 820 طفلا و1400 طفلة بالقوة عن أمهاتهم بمن فيهم الرضع.
وقدم باحث إسباني يدعى فيرمين مايورغا وثيقة تتحدث عن إحراق ثلاثمائة مورسكي أحياء في يوم واحد، وذكر أن الأطفال كانوا يربون في بيوت المسيحيين ليصبحوا فيما بعد عبيدا لهم، حتى اضطر المسلمون أن يخفوا إيمانهم ليحافظوا على أرواحهم، وأن يبنوا مقابر سرية للحفاظ على رفاتهم بعد الممات.
المورسكيون...ثراث عريق
يريد المورسكيون المغاربة من خلال إثارة هذا النقاش، رد الإعتبار للأندلسيين والإقرار بجرم التهجير الذي تعرضوا له، وإبراز القيم الإنسانية التي يزخر بها التراث المورسكي، كثرات عالمي مشتت بين دول عديدة بأفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية وآسيا.
و علاقة بالموضوع يقول أحمد مفريج لموقع قناة الجزيرة على الأنترنيت وهو سليل أسرة موريسكسة ، أن المورسكيين الأوائل حملو معهم إلى المغرب ثراثا غنيا "نتج عنه ازدهار كبير لمدن مثل شفشاون والرباط وسلا، فكان منهم الفقهاء والأطباء والمهندسون والفنانون والفلكيون، وتقلد بعضهم مناصب عليا لدى سلاطين المغرب"، وأوضح مفريج أن المورسكيين اندمجوا مع السكان المحليين إلى درجة أن منهم من أصبح أمازيغيا، مشيرا إلى وجود مداشر في الجنوب تسمى "أيت أوغرابو" وهي عبارة أمازيغية تعني "أهل السفينة" وهو وصف أطلق على من وصلوا هناك من المورسكيين على متن السفن، كما أن هناك أناسا بمناطق أخرى يدعون بـ"السفينيين" للسبب نفسه.
للمورسكيين مطالب...
مطالب المورسكين بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة، خصوصا في المغرب الذي استقبل أكثر أعداد الموريسكيين المهجرين، فقد طالب البعض الدولة الإسبانية بإيجاد صيغ لمعالجة هذا الملف المأساوي، و الملاحظ أن المطالب تنوعت بين مطالب بالاعتذار والتعويض، ومنح الجنسية الاسبانية لأحفاد المورييسكيين، و ذلك من خلال إدراجهم ضمن المبادرة التي خصت بها اسبانيا أحفاد اليهود الذين هاجروا هم أيضا خلال نفس الفترة من شبه الجزيرة الأيبيرية هربا من الاضطهاد، حيث بات بإمكانهم الحصول على الجنسية الاسبانية بمجرد انقضاء سنتين من الإقامة باسبانيا.
فتح ملف المورسكيين رسميا
لم يطرح ملف المورسكيين، بين المغرب و إسبانيا للنقاش بشكل رسمي مطلقا، ر غم أن مورسكيي المغرب يقدر عددهم بأربعة ملاين شخص، ( يسكنون بالمناطق الشمالية للمغرب القريبة من اسبانيا، والتي استقبلت عائلات مازالت تحمل تقاليد و علامات الانتماء إلى الأندلس، مثلما تدل على ذلك بعض الأسماء العائلية التي احتفظوا بها من قبيل جسوس (خيسوس)، و ملين (مولينا)، والطريس (طوريس) وفوينتي)، غير أن نائبا برلمانيا إسبانيا من الفريق الإشتراكي طرح أمام لجنة الخارجية في البرلمان مشروع قانون ينص على رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين الذين طردوا بشكل جماعي، وطالب هذا النائب بـالاعتراف المؤسساتي بالظلم الذي لحق بالمورسكيين .