تعتبر صلاة التراويح، من الشعائر التي يتفرد بها شهر رمضان دون سائر الشهور الهجرية، وتقترن بتلاوة القرآن واجتماع المسلمين في المساجد، وسميت التراويح، لأن المصلين كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات.
ولم يجتمع المسلمون لأداء صلاة التراويح في شهر مضان، خلال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى ثلاث مرات، وورد في صحيح البخاري حديث لأم المؤمنين عائشة جاء فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفترض عليكم، فتعجزوا عنها".
ويشير هذا الحديث إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى التراويح مع الصحابة جماعة، ثم خشي أن تفرض على المسلمين فصلاها منفردا.
وفي حديثه لموقع يابلادي قال رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة مصطفى بنحمزة "كثر المصلون، فتخوف الرسول أن يظن الناس أن من فرائض هذا الشهر التراويح، لذلك انقطع عنهم ولم يخرج إليهم". وبعد ذلك "عاد الناس يصلونها في المسجد وفي بيوتهم أفرادا".
وتابع أن الناس صلوا "في زمن النبي عليه السلام، وفي زمن عمر 20 ركعة، والمغاربة يصلون عشر ركعات بعد العشاء، وعشر ركعات قبل الفجر".
صلاة التراويح جماعة
وبقي المسلمون يؤدون الصلاة فرادى طوال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفية أبوبكر الصديق أيضا.
وكان ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، أول من جمع المسلمين على إمام واحد في صلاة التراويح، وجاء في صحيح البخاري "عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل" ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: «نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون".
وقال محمد البلتاجي، في كتابه "منهج عمر بن الخطاب في التشريع" أن المُؤرخين ذكروا "في بعض الروايات أنّ جَمْع المسلمين على إمامٍ واحدٍ زمن عمر بن الخطّاب كان في السنة الرابعة عشرة للهجرة، وبعث إلى كلّ المناطق الواقعة تحت خلافته بأداء صلاة التراويح جماعةً، وقِيل إنّه جعل إماماً للرجال من المسلمين، وإماماً للنساء".
من جانبه قال مصطفى بنحمزة "وعندما جاء زمن عمر وجد الناس يصلونها في المسجد ولكن من غير إمام جامع، وكان بعضهم يرفع صوتهم على بعض، فجمعهم عمر على إمام واحد وجعل للنساء إمام آخر يصلي بهن ويسرع لأن لهن أشغالا في بيوتهن".
منع صلاة التراويح
يعتقد معتنقو المذهب الشيعي بأن صلاة التراويح كانت بدعة من الخليفة عمر ابن الخطاب ولم يشرعها النبي ولم يسنها، وتبعا لذلك قام عدد من قادة دولة الفاطميين (909-1171) التي حكمت جزءا كبيرا من العالم الإسلامي (الغرب الإسلامي ومصر والشام والحجاز)، واتخذت من القاهرة عاصمة لها، بمنع صلاة التراويح بل وأعدم بعضهم من صلاها.
وجاء في كتاب "البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمَغرب" لصاحبه ابن عذاري المراكشي، أن الفاطميين خطبوا في أتباعهم قائلين لهم عند حلول أول رمضان بعد انطلاق دعوتهم "إن رمضان قد جاء، ومذهبنا ألا تُصلَّى التراويح لأنها ليست من سنة النبي صلى الله عليه وسلمن وإنما سنّها عمر، ونحن نطوِّل القراءةَ في صلاة العشاء الأخيرة ونقرأ بالسُّور الطوال، فيكون ذلك عوضا عن التراويح".
وقال ابن سعيد الأنطاكي في كتابه "تاريخ الأنطاكي" بأنه في سنة 370هـ/981م مَنَع خليفة الفاطميين الثاني بمصر العزيزُ بالله صلاةَ التراويح بمصر فـ"عظُم ذلك على كافة أهل السُّنة من المسلمين".
فيما سمح خلفه الحاكم بأمر الله بإقامتها مؤقتا بأدائها، ثم منعها عشر سنوات حتى كانت عقوبة من يصليها الإعدام؛ وقال المقريزي في كتابه "اتعاظ الحنفا" إنه في سنة 399هـ/1011م أمر الحاكم بـ"قتل رجاء بن أبي الحسين من أجل أنه صلى صلاة التراويح في شهر رمضان".
وبقي حكام الدولة الفاطمية يمنعون ويسمحون بإقامة صلاة التراويح، إلى غاية نهاية دولتهم.