المبادرة إيجابية وستفتح شهية الصحافيين المغاربة للاشتغال على أخبار القصر الملكي بكل سكانه، من الملك إلى آخر أمير في الأسرة العلوية.
أخبار القصر، أي قصر، من المواد الإخبارية التي يُقبل الناس عليها في الدول الأوربية، حيث الملكيات تسود ولا تحكم، فما بالك بالمغرب الذي يشغل فيه الملك مكانة مركزية في حياة المغاربة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية...
لقد مللنا منذ عقود لغة مولاي مصطفى العلوي، الذي تحول إلى صاحب أكبر معمل لإنتاج لغة الخشب، ومعه فيصل العرايشي الذي يسيء، عن جهل وقلة حرفية، إلى صورة القصر بالتغطيات النمطية التي تصور هذه المؤسسة وكأنها خارج الزمن والعصر...
التواصل لم يعد اليوم ترفا ولا «خضرة فوق الطعام»، بل صار في قلب العملية السياسية، وجزءا من مصادر المشروعية الحديثة القائمة على رضا الناس واعتراف المواطنين بالدور الذي تقوم به المؤسسات، كل المؤسسات، وهذا لا يمر إلا عبر الإعلام والصحافة وتقنيات التواصل الحديثة، التي صارت حرفة وموهبة ولا يعقل أن تترك صناعة صورة ملك في القرن الواحد والعشرون في الداخل والخارج لمجموعة من «البراحة» بلا موهبة ولا ذكاء.
لقد كان صادما خلو الوفد الرسمي الذي رافق الملك محمد السادس إلى دول الخليج من الصحافيين المغاربة، وكأن هؤلاء مجرد متطفلين على الحياة العامة، وليسوا صناع رأي عام ولهم جمهور يقرأ لهم ويستمع إليهم عبر الصحف والإذاعات والمواقع الإخبارية على «النت». إن نسب المشاهدة المتدنية للقنوات الرسمية جعلت من التلفزيون المغربي أداة خارج المنافسة الإعلامية، بل وجعلت من منتوجه موضوع نقد مستمر في كل الأوساط المهتمة بالشأن العام.
إن وسائل الإعلام شريك في اللعبة الديمقراطية وفي «حفلات» تنشيط الحياة العامة، ولهذا لابد من مراجعة قرار مقاطعتها والتوجس منها، وحتى شيطنتها من قبل بعض المحيطين بالسلطة، الذين راكموا حوادث سير كثيرة في علاقتهم بالإعلام والسياسة. هذا لا يعني أن الصحافيين ملائكة وأنهم جميعا قنافذ لا أملس فيهم، بالعكس وقعت أخطاء وتجاوزات من جانبهم في حق الجالس على العرش، لكن جل من لا يخطئ.
قبل أشهر بعث الناطق الرسمي باسم الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، رسالة إلى كل رؤساء تحرير الصحف البريطانية، ينقل إليهم، بطريقة ناعمة وذكية، رغبة جلالة الملكة في عدم نشر صور حفيدها الثالث في ترتيب العرش، الأمير هاري، وهو عار في حفلة صاخبة مع رفاقه في لاس فيغاس، وقالت الرسالة إن هاري شاب في الـ24 من عمره، ويعرض له ما يعرض لأقرانه في هذه السن، وهو كان في عطلة خاصة وليس في مهمة رسمية، فرجاء، لا تنشروا صوره لأنها ستسيء إلى صورة العائلة وإلى صورة القصر.
وكذلك كان، امتنعت كل صحف بريطانيا الجادة والأقل جدية عن نشر صور الأمير العاري -على وزن هاري- طواعية وبلا تهديد ولا تحقيق ولا مداهمات آخر الليل، باستثناء الصحيفة الصفراء لروبرت مردوخ «Sun»، لكن ظل هذا هو الاستثناء لا القاعدة.
هذا نموذج عن تواصل إحدى أعرق الملكيات في العالم مع الصحافة. دعاؤنا للسيد المريني بالتوفيق في مهمة صعبة بلا سوابق يمكن أن تعين على التراكم، فالسيد حسن أوريد لم يكن تجربة ناجحة في هذا المنصب رغم ثقافته ودرايته بعالم الصحافة.
يحكي بوبكر الجامعي أن «زميله» السابق في صحيفة «لوجورنال»، حسن أوريد، استدعاه مرة إلى القصر، وهو ناطق رسمي باسمه وفي حضور أزولاي المستشار الملكي، الذي كان حاضرا في المشهد آنذاك، فتوقع الجامعي أن يكون اللقاء «دسما» وغنيا بالمعلومات ولو على سبيل «off»، قبل أن يفاجأ بأن أوريد يعيب عليه بشدة وقسوة كتابة اسم الملك محمد السادس في «لوجورنال» دون أن يسبقه لفظ «جلالة»!
نتمنى أن يكون حظ المريني، وهو شخص متواضع وأديب وعارف بتاريخ المغرب، أفضل من حظ سلفه، ومن يدري، ربما يوفق الفقيه في ما فشل فيه المثقف.