أكد مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن القارة الإفريقية تمتلك مؤهلات كبيرة، فيما يخص إنتاج الهيدروجين الأخضر بفضل توفر الموارد المتجددة بأسعار تنافسية وبفضل قربها من السوق الأوروبية التي تراهن على الهيدروجين ليحل محل الوقود الأحفوري في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها مثل الصناعات الفولاذية والكيماوية والنقل. .
وأوضح المركز في تقرير معنون بـ"سوق الهيدروجين الأخضر: المعادلة الصناعية للانتقال الطاقي"، أنه من أجل تحويل هذه المؤهلات إلى فرص حقيقية، تخلق الثروة، سيتعين على البلدان الإفريقية التي تستهدف سوق التصدير اتخاذ الخيارات المناسبة، من حيث نموذج الأعمال والتكنولوجيا والتكامل الإقليمي.
وأكد المركز أن خريطة العالم الخاصة بصناعة الهيدروجين الأخضر بدأت تتشكل، مدفوعة بحالة مواتية بسبب أزمة الطاقة الناتجة عن الصراع بين أوكرانيا وروسيا، من ناحية، وللالتزامات التي تعهدت بها أكثر من 140 دولة للحد من انبعاثات الكربون الخاصة بها، من ناحية أخرى.
إفريقيا في سوق الهيدروجين الأخضر
وقال التقرير إنه يمكن لأفريقيا أن "تضع نفسها في سوق الهيدروجين الأخضر العالمي من خلال أربعة محاور، وهي: المغرب ومصر وموريتانيا وجنوب إفريقيا".
وأوضح أن القارة السمراء يمكن أن تنتج 50 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2035، وهو ما يمكن أن يمثل ما يقرب من 10٪ من السوق العالمية، وسيتطلب ذلك ما بين 680 و 1300 مليار دولار بحلول عام 2050، وفقًا لدراسات أجرتها شركات دولية.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن القارة تتمتع بإمكانيات كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر منخفض التكلفة، إلا أن إعلانات الاستثمار المقدمة لا تمثل سوى 3٪ من المشاريع قيد التطوير في جميع أنحاء العالم. لكن ورغم ذلك فإن هذا المعدل يتزايد بسرعة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأكد التقرير أن المشاريع الإنتاجية في القارة الإفريقية، من حيث المبدأ، يجب أن تكون مصحوبة ببنية تحتية مناسبة وتنافسية، من حيث المعالجة والنقل والتخزين.
وأوضح أن إفريقيا يمكن أن تكون واحدة من أكثر مصادر الهيدروجين الأخضر تنافسية في العالم، بتكلفة تتراوح من 1.8 إلى 2.6 دولار أمريكي لكل كيلوغرام في عام 2030، بدلاً من السعر الحالي الذي يتراوح بين 5 و 10 دولارات أمريكية للكيلوغرام الواحد. وفي عام 2050، من المتوقع أن يتراوح هذا السعر بين 1.2 و 1.6 دولارًا أمريكيًا للكيلوغرام مع تحسن الأداء وتكاليف التقنية.
"يمكن لإفريقيا أن تصدر من 20 إلى 40 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2050 وتحتفظ بـ 10 إلى 20 مليون طن لتلبية الطلب المحلي للقارة، وتوفير طاقة نظيفة وبأسعار معقولة للمناطق التي تفتقر إلى موارد الطاقة وبالتالي تعويض انخفاض مستوى كهربة القارة، والذي بلغ 56٪ فقط في عام 2021، واحتياجات إزالة الكربون لقطاعي النقل والصناعة".
المغرب والهيدروجين الأخضر
وبخصوص المغرب أوضح المركز في تقريره، أنه على مدى العقدين الماضيين، تبنى المغرب خيارات استراتيجية حسنت قدرته التنافسية الصناعية واللوجستية وعززت مكانته كصنف عالمي، لا سيما في قطاعات السيارات والطيران والأسمدة.
وتابع أنه بفضل سياسته الاستباقية، نفذ المغرب مشاريع كبرى في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتجددة مما مكنه من وضع نفسه كرائد عالمي في هذا القطاع.
وأشار التقرير إلى الروابط القائمة أو المخطط لها مع أوروبا، وخارطة طريق الهيدروجين الأخضر التي تم وضعها في عام 2021، وإنشاء مجموعة Green H2، ومشاريع تحلية المياه الجارية وكذلك إبرام العديد من الشراكات، لا سيما مع ألمانيا وهولندا والاتحاد الأوروبي، لتعزيز مكانة المغرب كلاعب موثوق به في سوق الهيدروجين الأخضر وفي تنفيذ مشاريع واسعة النطاق.
كما أشار إلى التوجيهات الملكية في اجتماع 22 نونبر 2022، للاستفادة من الإنجازات التي تحققت، من خلال بناء عرض جذاب وتشغيلي وتعزيز سلاسل القيمة التنافسية التنموية.
وأكد التقرير أن المنافسة في هذا القطاع لن تكون إقليمية أو قارية فقط، حيث أن الدول الأوروبية (خاصة دول جنوب البحر الأبيض المتوسط) تخطط أيضًا لضمان 50٪ من احتياجاتها في الإنتاج الداخلي مع أهداف التصنيع والابتكار.
"بالتأكيد، يتمتع المغرب بمزايا تنافسية لتزويد أوروبا بالهيدروجين الأخضر ومشتقاته، لكن تطور هذا القطاع يضع على الطاولة الأسئلة الاستراتيجية لتنمية السوق المحلية مقارنة بسوق التصدير، والجدوى الصناعية من خلال التكامل المحلي، والتنمية، والبنى التحتية والاستفادة المثلى من التكاليف اللوجستية، والإطار المؤسسي والتنظيمي المناسب وكذلك المكان المخصص للبحث والتطوير لدعم التطورات التكنولوجية".
التحديات
وأوضح التقرير أن استهداف سوق الهيدروجين الأخضر العالمي يستدعي استثمارات كبيرة وخيارات تكنولوجية وتخطيط مدروس جيدًا لتحسين إدارة المخاطر، مع الإشارة إلى أن هذا التحول في الطاقة لا يقتصر على استبدال وقود بآخر، ولكن تغيير حقيقي للأنظمة على نطاق عالمي سيكون له بالتأكيد آثار سياسية واقتصادية وبيئية.
وبخصوص التحديات الرئيسية، فأبرز التقرير أنها مرتبطة أساسا بتكلفته المرتفعة نسبيًا مقارنة بالوقود عالي الكربون، بما في ذلك تكلفة الإنتاج والنقل والتحويل والتخزين، وأشار أيضا إلى أن بعض التقنيات في سلسلة قيمة الهيدروجين لا تزال ذات مستوى منخفض من النضج التكنولوجي وتحتاج إلى اختبارها على نطاق واسع.
وقال التقرير إن عدم اليقين بشأن السياسات والتنظيمات الخاصة بالهيدروجين لا يزال مصدر قلق للمستثمرين، وأضاف أن تطور الطلب يعد عاملاً رئيسيًا لخفض تكلفة التكنولوجيا ونشر الاستثمارات على نطاق واسع. مشيرا إلى أنه من المقرر أن تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، مع زيادة عدد مشاريع التحليل الكهربائي التي يتم تنفيذها.