عقدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، ندوة صحافية لتقديم تقريرها السنوي برسم سنة 2021، والذي قدمت فيهت "حصيلة أعمال وإنجازات الهيئة خلال الفترة المعنية".
وأكدت الهيئة "استمرار الوضع غير المُرْضي لمستوى تفشي الفساد في بلادنا وما لهذا الوضع من انعكاسات سلبية على استغلال الطاقات الحقيقية لتنمية الاقتصاد الوطني وتغطية الاحتياجات الاجتماعية للمواطنين".
مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية
أنجزت الهيئة تقريرا موضوعاتيا في إطار مواكبتها لمشروع القانون رقم 18-01 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية؛ وثمنت التوجهَ نحو مراجعة هذا القانون.
وانصبت ملاحظات وتوصيات الهيئة على اعتماد منظور موضوعي وواقعي لمبدأ التقادم في هذه الجرائم، حيث أوصت بالتنصيص على تعليق العمل بالتقادم في جرائم الفساد، أو على الأقل احتساب سريانه بالنسبة لهذه الجرائم ابتداء من تاريخ اكتشافها، وكذا ابتداء من ترك الوظيفة بأي شكل من الأشكال. كما أوصت باستثناء عقوبة المصادرة من مقتضيات التقادم المنصوص عليها في العقوبات، وذلك إما بالتنصيص على تعليق العمل به بالنسبة لهذه العقوبة، وإما بالتنصيص على مدة مساوية للتقادم المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية بالنسبة للأحكام المتعلقة برد وإرجاع الأموال إلى المتضررين المطالبين بها.
ولضبط مبدأ انقطاع أمد التقادم، أكدت الهيئة على مطلب التثبيت النصي للممارسة الجاري بها العمل في هذا الشأن، والمتمثلة في اعتبار إجراءات البحث التمهيدي قاطعة للتقادم.
كما أوصت الهيئة بتوجيه سلطة "ملاءمة" المتابعة نحو خدمة ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد، مع إدراج الجرائم ذات الصلة بأفعال الفساد والموصوفة بالجنايات، ضمن نطاق الجرائم التي تُرفع إلزاميا إلى سلطة التحقيق؛ وفتح إمكانية مراجعة معللة لتقدير النيابة العامة بعدم إجراء المتابعة في جرائم الفساد، من طرف سلطة عليا بما في ذلك جرائم الفساد الموصوفة بالجنح. كما أوصت الهيئة بتعزيز سلطة الحفظ المخولة للنيابة العامة ببعض الضوابط المعمول بها لدى تشريعات أخرى، والتي من شأنها أن تمنح سلطة الحفظ مناعة ووجاهة أكبر.
و أوصت الهيئة أيضا بتعزيز الحماية القانونية للمبلغين، خاصة فيما يتعلق بضبط الحالات التي تستدعي اتخاذ قرار تعديل أو سحب تدابير الحماية من طرف السلطة القضائية، عندما تكون الاستفادة من تدابير الحماية مقررة بناء على طلب المعنيين بالأمر، وكذا فيما يتعلق بسريان عدم المتابعة على أساس إفشاء السر المهني، على المبلغين الذين يقدمون تبليغاتهم سواء للسلطة القضائية أو للهيئات والمؤسسات التي تضطلع قانونيا بتلقي الشكايات والتبليغات، بالإضافة إلى مراجعة مبدأ "حسن النية“ المنصوص عليه كشرط لاستفادة المبلغين من تدابير الحماية، في اتجاه إلقاء عبء إثبات الطابع الكيدي للتبليغ على الجهة المتضررة منه.
كما تمحورت ملاحظات وتوصيات الهيئة فيما يتعلق بتيسير بلوغ جرائم الفساد إلى القضاء حول تعزيز دور قاضي التحقيق في الكشف عن جرائم الفساد؛ حيث أوصت بالتنصيص على الإحالة الإلزامية لجنايات الفساد على قاضي التحقيق، وبمراجعة التعديل الذي يلزم قاضي التحقيق بالرجوع إلى النيابة العامة لتقديم ملتمساتها.
وفيما يتعلق بضمان النجاعة القضائية، تمحورت ملاحظات وتوصيات الهيئة بهذا الخصوص حول تعزيز التعديلات المدرجة على قواعد الاختصاص الاستثنائية، بإدراج بعض المسؤولين والفئات ضمن الأشخاص المشمولين بقواعد الاختصاص الاستثنائية.
الإثراء غير المشروع
وفيما يخص الإثراء غير المشروع، اعتبرت الهيئة أن الزيادة الكبيرة الملحوظة في موجودات الموظف العمومي مقارنة مع مصادر دخله خلال فترة معينة من مساره المهني، سلوكا يستوجب، في حالة عدم القدرة على تبرير هذه الزيادة، تكييفها على أنها إثراء غير مشروع يتعين تجريمه.
وخلصت الهيئة، اعتمادا على مجموعة من الاجتهادات الفقهية والقضائية وبعض المقتضيات القانونية، على المستويين الوطني والدولي، التي كرست مبدأ تحويل عبء الإثبات من النيابة العامة إلى المتهم في بعض الجرائم والمساطر، إلى أن انصراف المشرع نحو قلب عبء الإثبات في جريمة الإثراء غير المشروع، يعتبر اختيارا تشريعيا مُبرَّرا ولا مناصّ من إقراره، كإجراء قضائي لضمان المتابعة الناجعة لهذه الجريمة، مؤكِّدة على ضرورة تثبيت الضمانات الموضوعية والإجرائية الكفيلة بتحقيق التوازن بين حق الدولة في حماية أمنها وأمن مجتمعها، وحق المواطنين في إثبات براءتهم وحمايتها من كل تعسف.
وأبرزت الهيئة وجاهة اعتبار هذه الجريمة جريمةً مستقلة لها أحكامها الموضوعية المتمثلة في مقوماتها الجرمية والعقوبات الحبسية والمالية المتناسبة مع خطورة كل حالة متعلقة بها، كما لها قواعدها الإجرائية الكفيلة بالبحث فيها والتحقق منها وإثباتها، مع تأكيد الهيئة، بشكل خاص، على أهمية التحديد الواضح للأهداف المنشودة من هذا التشريع، وضمان التكامل القانوني مع مجموعة من النصوص لتعزيز ضمانات نجاعة تجريم الإثراء غير المشروع، وتوطيد البعد التعاوني المطلوب مؤسسيا للرصد والتحري والتحقق الموضوعي والنزيه من الحالات المحتملة لهذا الإثراء.
التبليغ عن الفساد
وقفت الهيئة على وجود ضعف كبير لمعدلات التبليغ عن أفعال الفساد، سواء من طرف سائر الأشخاص الذاتيين والمعنويين، أو غيرهم من الموظفين، مُنتهية إلى الإقرار بوجود إحجام واضح عن التبليغ، ناتج بالأساس عن عدم الشعور بالأمان والخوف من الضغوطات وأشكال الانتقام، وعن صعوبة الحصول على الإثباتات والمعلومات المرتبطة بأفعال الفساد، وعن تدني منسوب الثقة في نجاعة وفعالية المجهودات المبذولة سواء من طرف الحكومة أو من طرف سلطات إنفاذ القانون، وعن ضعف الوعي الجماعي بالضرر العام لأفعال الفساد على المجتمع.
وبخصوص تقييم الضمانات المعتمدة لحماية المبلغين عن الفساد، وقفت الهيئة على مجموعة من المؤاخذات المتمثلة أساسا في عدم سريان الحماية القانونية على المبلغين عن جميع أفعال الفساد المنصوص عليها في القانون الجنائي العام والقوانين الجنائية الخاصة، وعدم امتداد الحماية المخولة لفئة المبلغين إلى أفراد أسرهم وأقاربهم، وعدم تحديد الحالات التي تستدعي اتخاذ قرار تعديل أو سحب تدابير الحماية من قِبل السلطة القضائية، وكذا عدم إتاحة الإمكانية للطعن في هذا القرار بالنسبة لفئة الضحايا والخبراء والشهود، أو لطلب الموافقة بالنسبة لفئة المبلغين.
وفي إطار تقييمها لمنظومة الحماية، نبهت الهيئة إلى اقتصار هذه المنظومة فقط على تدابير حمائية ذات طبيعة قضائية، في غياب تام للحماية الإدارية من أشكال الانتقام المهني التي يمكن أن يتعرض لها المبلغ عن أفعال الفساد. كما تم الوقوف على القصور الملحوظ في الإجراءات والآليات الضرورية الضامنة لفعالية حماية المبلغين.