يكاد لا يوجد بلد آخر لديه الكثير ليقدمه للسياح الأجانب مثل ما يقدمه المغرب بأسواقه التاريخية وشواطئه الممتدة وصحاريه الرملية وجباله وكذلك ثقافته المتنوعة. لكن السياحة، لم تعد هي المهيمنة على التبادل بين ألمانيا والمغرب. ويوضح أندرياس فينتسل، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الخارجية في الدار البيضاء، أنه في خلال عشر سنوات فقط، أصبح المغرب أهم ثاني موقع استثماري للشركات الألمانية في أفريقيا، بعد جنوب أفريقيا.
خلق 40 ألف فرصة عمل في المغرب
يقول فينتسل: "لقد وضع المغرب نفسه بقوة كبيرة كموقع استثماري للشركات الألمانية في السنوات الأخيرة. وعلى مستوى قارة أفريقيا، يحتل المرتبة الثانية بعد جنوب أفريقيا، متقدمًا حتى على مصر. لقد استثمرت شركات صناعة السيارات وإنتاج الكهرباء على وجه الخصوص هنا في المغرب، وهي تستفيد من مزايا المكان لتزويد الأسواق في أوروبا من المغرب". وخلقت الشركات الألمانية حوالي 40 ألف فرصة عمل في المغرب، وهو ما يمكن أن يثبته أندرياس فينتسل بالأرقام.
لذلك كان من السيئ أن يقوم المغرب بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع برلين في مارس من العام الماضي. لقد كان هناك شبه انقطاع بين الرباط وبرلين، بل إن المغرب سحب سفيرته من برلين. لكن الأزمة الدبلوماسية لم تكن قادرة على خنق التبادل بين القطاع الخاص بين البلدين. على العكس من ذلك: يمثل عام 2021 نموًا قياسيًا في حجم التبادل. وتجاوزت الاستثمارات حاجز الـ1.4 مليار يورو. وهذا التوجه يزداد أيضا هذا العام.
لا يزال سبب الأزمة غير واضح
لكن الخلاف مع المغرب تسبب في أضرار في منطقة ذات أهمية استراتيجية خاصة، كما يقول فينتسل: "إن بناء شراكة في مجال الهيدروجين الأخضر هو في البداية من واجب حكومتي كلا البلدين، لوضع إطار للعمل الريادي على الأقل في هذا المجال. لقد فقدنا وقتًا ثمينًا بسبب الأزمة الدبلوماسية ويتعين علينا الآن تعويضه".
ولا تزال التكهنات مستمرة حتى يومنا هذا حول أسباب الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا. وعلى أي حال، كان المغرب مستاءً من أن ألمانيا، على عكس الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، لم ترغب في الاعتراف بالصحراء الغربية كأراض مغربية.
العلاقات الآن أفضل من عام 2021
الآن أعلن كلا الجانبين أنهما يريدان إزالة سوء التفاهم. ووصفت ألمانيا الاقتراح المغربي بالحكم الذاتي الجزئي للصحراء الغربية بأنه مساهمة مهمة في حل سلمي. وعموما فإن العلاقة الآن أفضل بكثير مما كانت عليه في العام الماضي، حسب الخبيرة في الشؤون المغربية أنيا هوفمان، التي ترأس مكتب مؤسسة هاينريش بول في الرباط منذ منتصف غشت تقريبا. وقالت هوفمان بعد يومين من تسلمها لمنصبها: "لدي شعور بأنني جئت في قلب مرحلة انفراج (الأزمة). هناك دولتان، ينبغي أن يكون لديهما اهتمام ثنائي بخصوص مصالح تتعلق بالسياسة الأمنية والاقتصادية وتوجه القيم، لأنه لا يمكنهما إلا الاستفادة من ذلك".
"مجال كبير لتحسين العلاقات"
لكن المملكة المغربية لا تزال شريكًا إشكاليًا، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وقد اتُهمت بحبس الصحفيين والمعارضين لسنوات بسبب اتهامات سخيفة في بعض الأحيان. كما أن قضية احتلال المغرب للصحراء الغربية، مخالفة للقانون الدولي، تظل قضية حساسة في العلاقات بين البلدين.
رغم ذلك فإن البروفيسور عبد الجبار عراش، من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (كلية الحقوق)، التابعة لجامعة الحسن الأول في سطات، يرى أنه "لا يزال هناك مجال كبير للتحسين عندما يتعلق الأمر بنوعية العلاقات الألمانية المغربية" ويقول: "العلاقات جيدة، لكن يمكن أن تكون أفضل".
مكافحة الإرهاب وقضية الهجرة والطاقة
ويرى عراش وجود مصالح مشتركة في مكافحة الإرهاب والهجرة والطاقة. وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا على وجه الخصوص، اكتسب موضوع الهيدروجين الأخضر من المغرب أهمية مرة أخرى: "اليوم، هذه المادة، الهيدروجين، لا يمكن أن تحد فقط من اعتماد المغرب على (مُورديّ) الطاقة، ولكن أيضًا من اعتماد ألمانيا" على مُصدّري الطاقة.
وعلاوة على ذلك، يؤكد أستاذ العلوم السياسية على أن هنالك مصالح اقتصادية مشتركة أخرى، فهو يعلم أن العديد من الـ 150 شركة ألمانية تقريبا في المغرب، تستخدم البلد المضيف كجسر مع بلدان أفريقية أخرى: "يمكنك القول إن هذا البلد أصبح الآن مركزًا للتجارة بين أوروبا وأفريقيا".
باختصار: يكاد لا يوجد طريق لا يمر عبر المغرب. وتضع ألمانيا منذ مدة طويلة هذه المسألة في عين الاعتبار، من خلال شراكة إصلاح خاصة وقرض منخفض الفائدة بقيمة 250 مليون يورو وتعاون مكثف، ليس أقله في قطاع الطاقة.