يشرف عبد الرحيم فايق الدخيسي، وهو أخصائي في الأمراض النفسية، على تنظيم قوافل طبية من فرنسا إلى مدن صغيرة ومناطق نائية في المغرب، من أجل تقديم الاستشارات الطبية، وإجراء عمليات جراحية لمئات المرضى.
ولم يكن عبد الرحيم ابن مدينة وجدة، يخطط لكي يلج مهنة الطب، إذ هاجر إلى فرنسا، بعد حصوله على البالكالوريا، بهدف دراسة المسرح والإخراج، غير أن الأقدار قادته لدراسة علم النفس.
استقر به المطاف بعد وصوله إلى فرنسا في مدينة ستراسبورغ، وولج بها المدرسة الوطنية للمسرح، لكن بعد سنتين تفاجأ بقرار الحكومة سحب المنح من الأجانب، وبحكم الوضعية الاجتماعية لعائلته، قرر توقيف مساره العلمي لمدة عامين من أجل جمع المال اللازم قبل العودة إلى مقاعد الدراسة.
وبالفعل عاد لمواصلة مشواره الدراسي، غير أنه اختار مجالا آخرا بعيدا عن المسرح والإخراج، وولج جامعة لورين في نانسي، تخصص علوم التربية وعلم الاجتماع، وحصل على شهادة الماستر، وأصبح مستشارا تربويا.
"كنت أقوم بتدريس الأساتذة المقبلين على امتهان التعليم، وتدريب عناصر الشرطة أيضا، على كيفية التواصل والتعامل مع الناس بطريقة بيداغوجية دون عنف"
إثر ذلك قرر ولوج عالم السياسة، ليصبح نائب عمدة مدينة نانسي. لكن حب الدراسة بقي ملازما له، وقرر العودة من جديد إلى الجامعة، ودرس الدكتوراه في تخصص علم النفس، وأصبح مديرا لمركز بحث مختص في تقديم الدعم النفسي.
وفي سنة 2005، أسس جمعية "أديب"، وقال عبد الرحيم كان الهدف وراء تأسيسها يتجلى في "خدمة المغرب والمغاربة المحتاجين". في البداية كانت الجمعية تركز على المجال الثقافي "قمنا بإنشاء مجموعة من المكتبات، منها أول مكتبة في مدينة السعيدية، وعدة مكتبات في المناطق الجبلية، وفي الحاجب وميسور وغيرها".
ثم اتسعت دائرة عمل هذه الجمعية، لتشرع في تنظيم قوافل طبية من فرنسا إلى المغرب، وقال "كنا نستقدم ما بين 50 و60 طبيبا متطوعا من فرنسا. في البداية كنا نقدم الاستشارات الطبية، والأدوية فقط، وذلك بتنسيق مع السلطات المعنية".
"بعد ذلك قررنا الاستعانة بالكفاءات المغربية، من جميع التخصصات، وشرعنا سنة 2013 في إجراء عمليات جراحية، وذلك بعد توقيعنا اتفاقية شراكة مع وزارة الصحة، وأصبحنا نتردد على المستشفيات المتواجدة في المناطق النائية أو المدن الصغيرة، ونطلب منها مدنا بلائحة الأشخاص اللذين تتطلب حالاتهم عمليات جراحية"
وتنظم الجمعية قافلتين طبيتين كل شهر، حيث توجد قافلة الآن بمدينة جرادة، وستجري بها 60 عملية جراحية، وفي يوليوز سيتم تقديم الاستشارات الطبية بالسجن في مدينة زايو، وستتوجه بعد ذلك إلى تنغير والداخلة ومدن أخرى.
وقال "نقوم بجلب جميع معداتنا الجراحية، والأدوية، ولباس الأطباء والمرضى، من فرنسا، وهي عبارة عن مساعدات من جهات متطوعة. لا نتلقى مساعدات من الدولة ولا نرغب في ذلك، في بعض الأحيان نريد فقط مساعدات لتوفير المبيت أو المأكل أو وسائل النقل نظرا لعددنا الكبير".
ويبلغ عدد الأطباء المتطوعين في الجمعية حوالي 200 طبيب، جلهم مغاربة، من بينهم 77 جراحا وأطباء تخدير، فقط 3 أو 4 منهم يأتون من الخارج "يتكفلون بالعمليات الدقيقة، ويقومون أيضا بنقل معرفتهم للأطباء المغاربة".
"مثلا في ميسور قمنا بإجراء 124 عملية في ظرف 3 أيام، في حين أن عدد العمليات الجراحية التي يقوم بها مستشفى هذه المنطقة، لا يتعدى عادة 20 عملية في السنة"
وقال رحيم الذي يتولى مهمة البحث عن الأطباء الاختصاصيين والوقوف على تنظيم القوافل "لدى جمعيتي فروع كثيرة في فرنسا وهولندا وبريطانيا، ومقرها الرئيس في نانسي. تساعدنا هذه الفروع في جمع التبرعات".
ولأنه يعرف تماما، حاجة المرضى الملحة لخدمات جمعيته الطبية، أصر الدكتور عبد الرحيم ومجموعته، على عدم التوقف عن تقديم المساعدات مهما كانت الظروف وقال "قوافلنا الطبية لم تتوقف حتى في عز أزمة كورونا، قمنا بالعمليات الجراحية كما كان مخططا له، وذلك بمساعدة من وزارة الصحة".
وخلال الجائحة، قدمت جمعيته أيضا خدماتها في فرنسا، لعدد من الطلبة المغاربة الذين كانوا عالقين بعد إغلاق المملكة لحدودها، وعملت على توفير المأكل والمأوى لهم.
ومن بين مشاريع الجمعية أيضا "إنشاء مركز يعنى بالأم والطفل في أكتوبر بتمسمان" الواقعة بإقليم الدرويش، إذ سيضم قسما مخصصا في الولادة والتربية النفسية، وطب الأطفال. وقال رحيم وهو أيضا أب لخمسة أبناء "سيكون الأمر سهلا أكثر إذا تلقينا مساعدات من المتطوعين. لا نرغب في المال وإنما تقديم مساعدات عبارة عن معدات لهذا المركز".