وقلنا بأنه لو كان ثمة من سر مضمر خلف هذا الإقصاء والتهميش والإهمال, فلربما يجب البحث عنه في سلوك انتقام المخزن من هذه المنطقة, وأخذها بجريرة إبن لها بالجيش, عالي الرتبة, حاول بداية ثمانينات القرن الماضي, التمرد على الملك, على خلفية طموح في السلطة, فإذا بمصيره في حادثة سير لا تزال أطوارها خفية, غير مفهومة.
وقلنا, بالمحصلة, ولا نزال نقول, بأن النظرة للمنطقة ولأبنائها لاتزال محكومة بعقدة الثأر الذي لم يتقادم, ولا آن لأولي الأمر منا أن يشفعوا للمنطقة, وقد مضى على تصرف إبنها ما يناهز الثلاثة عقود.
لم يتغير منظورنا كثيرا لهذا السلوك, سلوك الدولة مع المنطقة, بل يبدو لنا, مع مرور الوقت, أنه يتقوى ويتعمق:
+ فرئيس الدولة لم يزر المنطقة ولو لمرة واحدة, هو الذي لا يفتأ يتنقل بكل مناطق البلاد, يدشن مشاريع هنا, ويؤشر على استثمارات هناك, لا بل وثمة من المناطق والجهات من حظيت بزيارته عشرات المرات, كما بمنطقة الشمال مثلا.
إننا هنا لا نعاتب رئيس الدولة, فما بالك أن نحاسبه أو نسائله, فقد تكون له مبررات غير ما زعمنا ببداية هذا الحديث. لكننا نسأل مع ذلك ونقول: من ذا الذي ينصح الملك ولربما يثنيه عن زيارة منطقة, هي قلب المغرب الفلاحي بامتياز؟ من الذي يحول دونه ودون نصحه بتفقد حال أهل المنطقة, إذا لم يكن في "زمن الغلة", فعلى الأقل حينما تتعرض لغضب الطبيعة, وتجر الفيضانات أخضرها ويابسها كما بحالات عديدة وقعت؟
إننا بهذه النقطة نريد أن نفهم, ولسنا مطالبين وبكل الأحوال بأن نتفهم.
+ ثم إن الحكومات المتعاقبة, ومنذ زمن طويل, لم تعر المنطقة أدنى اعتبار, بل سارت لربما سير سلطة البلاد العليا, فتركت المنطقة لحالها تتدبره لوحدها في الجفاف والعطش, كما في المحنة وسوء الحال.
إن الحكومات المتتالية, منذ بداية ثمانينات القرن الماضي, لم تقتصر على إهمال المنطقة وترك ساكنتها حفاة عراة, يقاتلون الطبيعة, كما يقاتل المجرد من السلاح وحوش الغابة, بل أمعنت في توجيه الاستثمار وسبل إنتاج الثروة لجهات أخرى بالمغرب غير ذات الجهة, حتى وإن كان أصحاب رأس المال أبناء المنطقة أو من المتعاطفين معها.
قد نعاتب ذات الحكومات وقد نحاسبها, لكننا لا نستطيع فهم أو تفهم ترك مصير منطقة غنية للمجهول, ولكأنها ليست جزءا من المغرب, أو لكأنها متمردة على السلطة المركزية يستوجب من هذه الأخيرة متابعتها ومعاقبتها ثم محاصرتها.
+ ثم إن نخب المنطقة, إن وجدت أو وجد بعض منها, لا تأبه بحاضر المنطقة, فما بالك بمستقبلها, لدى تجد أفضلها إما اندمج في منظومة الإقصاء والتهميش المتحدث فيها, أو أمعن, في الأثرياء من بين ظهرانيها, في استغلال مقدرات المنطقة وتحويلها للمصلحة الخاصة الضيقة, عوض إشاعة الثروة على الذين هم منتجوها الحقيقيون, وأصحاب الحق في التمتع بها جملة وبالتفصيل.
إننا, وبهذه النقطة أيضا, لا نعاتب النخبة إياها, بل نتهمها بالتواطؤ مع المخزن كما مع الحكومات المتعاقبة...لأنها لم تدافع على المنطقة, ولا نجحت في "تسويقها", كما نجح البعض في تسويق مناطقهم حتى وإن كانت ذات قيمة أقل من قيمة منطقة الغرب.