لم يكن حتى أشد المتشائمين داخل حزب العدالة والتنمية يعتقد أن الحزب الذي أحرز المركز الأول في انتخابات 2016 بعدما ربح في مجلس النواب عدد مقاعد قياسي بلغ 125، سينهزم بشكل مدوٍ خلال انتخابات 2021 ولن يربح سوى 13 مقعدا في النتائج شبه النهائية. يعدّ هذا الانحدار الأسوأ على الإطلاق في كل تاريخ انتخابات المغرب بالنسبة لحزب يترأس الحكومة.
وفي هذه النتائج، لم ينهزم الحزب ذو المرجعية الإسلامية، فقط أمام خصميه الرئيسيين، حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حلّ أولا وسيكون هو من يقود الحكومة القادمة، أو حزب الأصالة والمعاصرة الذي حل ثانيا وكان المنافس الرئيسي للإسلاميين في انتخابات 2016، بل تقهقر إلى المركز الثامن، ولم يظفر بالمقاعد اللازمة لتكوين فريق برلماني.
كما أن الحزب حقق أسوأ نتيجة له على الإطلاق في الانتخابات التشريعية، إذا استثنينا انتخابات عام 1997 التي شارك فيها لأول مرة وحقق فيها تسعة مقاعد فقط، وغطى فيها عدداً محدوداً من الدوائر الانتخابية.
رجة داخل الحزب
كانت ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات عصيبة للغاية على الحزب، وأكبر الخسارات المعلنة جاءت أولاً من مدينة طنجة، ثم توالت أخبار الانكسارات من مدن أخرى كالدار البيضاء ومكناس، ثم جاء خبر سيء الدلالات بخسارة الأمين العام للحزب، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني في الرباط، قبل أن يطلق وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، خلال إعلان نتائج الانتخابات، رصاصة الرحمة على آخر آمال المتعاطفين مع الحزب في مركز مشرف، ويؤكد الخسارة القاسية.
أكبر ردود الفعل جاءت من الأمين العام السابق، عبد الإله ابن كيران (أو بنكيران)، الذي كتب في منشور على فيسبوك "لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب والتي سيكون نائبه ملزما بتحملها".
وفي تقييم ذاتي، كتبت البرلمانية عن الحزب، أمينة ماء العينين، أن على الحزب أن يعترف بهزيمته وأن يتدارس أسبابها، داعية كذلك إلى استقالة العثماني. وكتبت على حسابها على فيسبوك: " لقد عاقب المغاربة الحزب هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها (..) لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في أغلب القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه".
أسباب الاندحار موجودة في الداخل
وأعادت ماء العنينين أسباب الخسارة بشكل كبير إلى قيادة الحزب: "الحقيقة أن حزبنا كان طيلة الفترة السابقة حزبا كبيرا بقيادة صغيرة"، وقالت إن من أسباب الهزيمة "صم الآذان عن صوت النقد الصادق". وتحدثت كذلك عن أن سعد الدين العثماني "سمح بمرور قوانين انتخابية كارثية، كما قدم تنازلات غير مدروسة ورفض تفعيل مقتضيات دستورية كان يمكن أن تنقذ الحزب، كما تبنى منطقاً إقصائياً حديدياً داخل الحزب".
حديث ماء العينين يبين وجود أزمة داخل الحزب. بدأت يوم إعفاء الملك لبنكيران من منصب رئيس الحكومة المعيّن على إثر الإخفاق في تشكيلها غداة انتخابات 2016. انقسم النقاش داخل الحزب حول ما إذا كان العثماني، الذي عيّنه الملك خليفة لبنكيران، سيحافظ على شروط هذا الأخير لتشكيل الحكومة.
لكن العثماني تخلّى عنها بسرعة وقبل دخول خمسة أحزاب إلى الحكومة، ولاحقاً لم يستطع بنكيران الترشح لولاية ثالثة داخل الحزب بسبب رفض تعديل قوانينه الداخلية، ما رفع وتيرة التوتر داخل الحزب وخلق تيارين على الأقل واحد مع العمل الحكومي والثاني مع شروط بنكيران.
"سبب الهزيمة المدوية هو أنه عند تحوّله من حزب معارض إلى حزب داخل السلطة، لم يفِ بوعوده مثل محاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي المجالات التي اختير من أجلها خلال فترة الربيع العربي" يقول عمر المرابط، محلل سياسي وعضو في الحزب، مضيفاً لـ DW عربية: "رفع الحزب مجموعة من اللاءات كـ 'لا للفساد ولا للتحكم'، لكنه لما وصل إلى الحكم، كان أحياناً يصمت وأحيانا أخرى يبرّر".
وجاءت لاحقاً عوامل أخرى، منها تطبيع الحكومة مع إسرائيل رغم رفض الحزب لذلك، ثم الانقسام حول تقنين القنب الهندي الذي بسببه هدّد بنكيران بتقديم استقالته، واسناد وزارات مهمة داخل الحكومة لتكنوقراط دون حزب سياسي أو لحزب "الأحرار" وظهور الحزب ضعيفاً في عدة مناسبات.
"عام 2011 رفع الحزب شعارات متعلقة بتقوية القطاعات الاجتماعية، لكن خلال 10 سنوات من التدبير، أثرت سياساته على القدرة الشرائية للمواطنين وكذلك على الطبقة السياسية، رغم بعض الإصلاحات التي قام بها" يقول أمين السعيد، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبدالله لـ DW عربية.
ويضيف عاملاً آخر داخل الحزب: "التخلي عن تيار بنكيران (الأعضاء الذين كانوا متشبثين به لولاية ثالثة) أثر سلباً لأن هذا التيار كانت له القدرة على المواجهة وعلى تعبئة الشارع". وهناك سبب آخر وفق حديث السعيد: "ظرفية جائحة كورونا اتسمت بتشاؤم وغضب شعبي على من يترأس الحكومة، نظراً للتداعيات السلبية على معيشة المواطنين".
نهاية صعود الإسلاميين؟
انتهى "الإخوان" في مصر بانقلاب عسكري مسنود من فئات شعبية عريضة،ويعيش إخوان تونس فترة عصيبة بعد تجميد البرلمان، واليوم يطوي المغرب صفحة "الإخوان" (مع تأكيد وجود اختلافات بينهم) عبر بوابة الانتخابات، بشكل سيبعدهم عن العمل السياسي المؤثر حتى داخل البرلمان، بما أن وجودهم المتوقع في المعارضة خلال السنوات الخمس القادمة لن يكون قوياً لقلة مقاعدهم وكذلك لإمكانية وقوعهم في تناقض معارضة سياسات كانوا قد باشروها.
السياق الإقليمي الذي يعرف انكماشاً في شعبية الإسلام السياسي لا يفيد حزب العدالة والتنمية في عودة قريبة. لكن هل فقد الحزب كل حظوظه في العودة؟ يستبعد عمر المرابط ذلك، ويقول إنه سيبقى من أكبر الأحزاب المغربية، لكنه سيحتاج إلى قيادة جديدة وإعادة تركيب والعودة إلى شروطه السياسية ومبادئه الأخلاقية، وبذلك ستعود قواعده السياسية التي عاقبته هذه المرة بالمقاطعة، للتصويت عليه مستقبلا.
لكن شبح ما جرى لحزب الاتحاد الاشتراكي يخيم نوعاً ما على مصير حزب العدالة والتنمية. الحزب اليساري قَبِل قيادة الحكومة عام 1998 بعد معارضة دامت لعقود، ثم تراجع لاحقاً ليخسر الكثير من قواعده كما عانى من تصدعات داخلية كثيرة. صحيح أن هذا الحزب حقق في هذه الانتخابات المركز الرابع وتطوّر بشكل كبير عن انتخابات 2016، لكن عدد المقاعد كان متواضعاً مقارنة بما حققته الأحزاب الثلاثة الأولى.
"الهزيمة ستنعكس سلباً على أطروحة الإسلام السياسي وستؤثر كذلك إقليمياً على الأحزاب والتنظيمات التي كانت تعتبر 'العدالة والتنمية' نموذجاً للإسلام السياسي الوسطي الذي حافظ على استقراره"، يقول أمين السعيد، متوقعا أن الحزب لن يستطيع العودة لتصدر المشهد السياسي حتى ولو استرجع بعض قواه.
إسماعيل عزام