يسمينة كسيكس من الأشخاص الذين لا يفكرون مرتين قبل اتخاذ أي قرار، مما يجعلها في بعض الأحيان تتخذ قرارات "مجنونة" وفي نفس الوقت "جميلة ومليئة بالحب"، وهو ما حصل تماما لحظة اتخاذها قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة سنة 1996، وقالت "لم أخبر والداي بقرار سفري، خرجت في الصباح للذهاب إلى المدرسة، أخبرتهم أنني سأقضي اليوم مع صديقتي، وحضنتهم، لكن في الحقيقة أنا كنت ذاهبة إلى المطار".
اختارت يسمينة التي كانت بالكاد تبلغ 21 سنة، أن تترك رسالة لوالديها بدل مواجهتهم، خوفا من أن يعترضا طريقها، وقالت خلال حديثها مع موقع يابلادي "تركتها مع أخي الصغير، وأخبرته أن يسلمها لهما عند الساعة الثامنة ليلا، أي قت وصولي إلى وجهتي".
"وعدتهم في الرسالة أنني لن أخيب ظنهم، وسأحقق حلمي وأن أتحمل مسؤولية قراري، والأهم من ذلك أن يتفهموا هذه المغامرة التي قررت خوض غمارها. لازال والداي يحتفظان بها، ومن وقت لآخر يقرأها لي والدي"
حب المغامرة المغربية لبلاد العم سام بدأ سنة قبل انتقالها للاستقرار بها، وقالت "حصلت أنا ووالداي على تأشيرة مدتها 10 سنوات وسافرنا إلى الولايات المتحدة من أجل زيارة أخي المقيم في فيلاديلفيا. وخلال زيارتي لنيويورك، تعرفت على مجموعة من الأشخاص وأحببت البلد كثيرا، وأدركت حينها أنني سوف أعود للعيش هناك وبطريقتي الخاصة دون مساعدة من والداي". ووصلت إلى الولايات المتحدة وفي حوزتها 100 دولار كانت قد حصلت عليها بمساعدة من أحد أساتذتها في المدرسة.
من التصميم والأزياء إلى عالم الطبخ
لم تكن يسمينة تتردد في اتخاذ قراراتها منذ أيام دراستها، ففي الباكالوريا ذهبت في الصباح للثانوية، وقالت وهي ضاحكة "كانت لدي في الصباح حصة في مادة الرياضيات، وفي المساء قررت ولوج مدرسة college lasalle" حينها تركت مقاعد الثانوية وولجت عالم التصميم والأزياء وقضت بالمدرسة ثلاث سنوات "منذ الصغر وأنا أعلم أنني سأمتهن سواء عالم الخياطة أو الطبخ أو الرقص".
وبالعودة إلى مغامرتها في الولايات المتحدة، تروي المغربية البالغة من العمر 45 سنة والأم لطفلين، بقية حكايتها قائلة "كانت لدي ثلاثة أشهر لأبرهن لوالدي أنني اتخذت القرار الصائب، حيث كان من المقرر أن يأتوا لزيارة أخي مرة أخرى وأردت استغلال الفرصة، ليروا ما حققته بأنفسهم، لذا فور وصولي إلى فيلاديلفيا اشتغلت كمصممة أزياء رقص لإحدى فرق البالي، وفي نفس الوقت كنت أشتغل في مقهى ما مكنني من إتقان اللغة الإنجليزية. واستأجرت منزلا وبدأت الحياة تبتسم لي".
وبعدها بوقت قصير، تزوجت صديقها الذي استقبلها في أيامها الأولى في فيلاديلفيا، ما مكنها من الحصول على البطاقة الخضراء في وقت سريع. عملها في المقهى والحنكة التي أبانت عليها، جعل من صاحب المقهى أن يقدم لها عرضا للاشتغال في مطعمه الجديد، آنذاك ولجت عالم الطبخ "طلب مني تسيير المطعم وإعداد قائمة الطعام، التي أدخلت عليها مجموعة من الأشياء المغربية للتعبير عن هويتي".
وفي سن الرابعة والعشرين، تلقت الطباخة المغربية عرضا آخر، للعمل في مطعم فندق بواشنطن، قضت به سنة واحدة. وكانت في كل مرة تثير إعجاب أرباب عملها، بحنكتها وطريقتها في العمل، وهو الأمر الذي كان يفتح لها الأبواب أمام تجارب جديدة، وانتقلت هذه المرة لتدير فرع الفندق في ميامي وقالت "في أربع سنوات أصبحت أجني الكثير من المال، وأصبح لي دور مهم في العائلة".
لكنها لم تتأقلم مع الحياة في ميامي، وقررت العودة إلى فيلاديلفيا، في هذه المرحلة من حياتها انفصلت عن زوجها "بشكل ودي"، وواصلت مشوارها المهني، حيث اشتغلت في المطعم الذي سيجمعها بزوجها الجديد "كان ابن عم صاحب المطعم وكان يملك أيضا مطعما في شيكاغو، وقعنا في الحب من أول نظرة، وبعدها بستة أشهر انتقلت إلى شيكاغو وتزوجنا وأصبحت أدير المطعم وأطبخ الاكل المغربي الذي ورثته عن جدتي".
ومع مرور الوقت بدأ المشروع ينجح أكثر فأكثر فقررا الانتقال إلى لوس أنجلوس رفقة طفليهما وفتح مطعم جديد، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان "توفي زوجي بسكتة قلبية بعد وصولنا بعشرة أيام" في هذه المرحلة انقلبت حياة يسمينة رأسا على عقب "قضيت سنة صعبة مليئة بالحزن بعدها رتبت أفكاري، وقررت العمل على مشروع له علاقة بالمطبخ المغربي".
"أصبحت أحضر وصفات مغربية، غير موجودة في الولايات المتحدة، مثل الحامض لمصير لهريسة، زعلوك، ومجموعة من الأكلات التقليدية المغربية، وبدأت أبيعها في المعارض، حصلت على التراخيص اللازمة لذلك، وترخيص يمكنني من الاشتغال من مطبخ المنزل، ما سمح لي بالاعتناء بأطفالي".
سفيرة للثقافة المغربية
ومن خلال هذه التجربة، أصبحت يسمينة تتلقى دعوات للطبخ في مناسبات الأمريكيين الذين وقعوا في حب الأكل المغربي، بالإضافة إلى عروض لتعليم الطبخ المغربي. من هنا جاءت فكرة إطلاقها مشروع تحت اسم "لالة مينة" وذلك على اسم جدتها التي "ورثت عنها مجموعة من الأشياء. إلى جانب الطبخ، الكرم وحسن استقبال الزبائن".
داع صيت يسمينة في لوس أنجلوس واشتهرت بأكلاتها المغربية، ما مكنها من الاشتغال مع مجموعة من المشاهير من بينهم "كوينسي جونس، وستيفن سبيلبرغ، وفرانش مونتانا، وبارك أوباما، وتوم كروز، ودايفيد لانش وغيرهم...".
لم تلقى الشاف المغربية الإعجاب فقط بما تقدمه من الأكل ولكن أيضا بطريقتها في تقديمه، وحصص اليوغا والموسيقى والطاقة الروحانية التي تتغدى عليها، وأيضا بالطاقة الإيجابية التي تشعر بها زبناءها "أعتز بأصولي الأمازيغية، ودائما ما أرتدي لباس يعبر عن هويتي وفي بعض الأحيان أطبخ وأنا حافية القدمين، ومحاطة بزبائني أعرفهم بهويتي المغربية وبعاداتنا وتقاليدنا، وأحكي لهم عن الطاجين وقصته ومكوناته. أطبخ وفي نفس أسافر بهم إلى المغرب من خلال ما أقدمه يتأثرون كثيرا، إنه طبخ وعلاج روحاني في نفس الوقت" وبفضل ذلك تلقت يسمينة عرضا من غوغل لتقديم حصص حول التربية الروحانية في الطبخ.
وتستعد الشاف المغربية لإصدار كتاب حول الطبخ المغربي والمغرب وقالت "سأسافر بالقارئ للمغرب، سوف أقدم كل وصفة وأرفقها بحكايتي مع الطبق ولماذا أصبح يحمل دلالة رمزية بالنسبة لي" ويتألف الكتاب الذي تشتغل عليه مع المصور المغربي المقيم في الولايات المتحدة، نور الدين الوراري، من 50 وصفة، "كل واحدة منها تحمل رسالة". ومن المتوقع أن يكون متاحا في الأسواق في دجنبر المقبل باللغة الإنجليزية والعربية.
وإلى جانب ذلك، تحضر يسمينة لعمل مع منصة نتفليكس، حول المغرب، ومن بين مشاريعها أيضا السفر إلى المغرب في ماي 2022 رفقة فريق عملها، وبعض الشركات المغربية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها" من أجل القيام بجولات وإعطاء دروس في الطبخ المغربي في الهواء الطلق، ستكون أغلبها في القرى والصحراء وذلك بالتعاون مع مدارس الطبخ في المغرب" كما ستقوم المجموعة باستئجار "يخت كبير سنصطحب فيه العديد من المدعوين ونقوم بجولة طبخ ويوغا من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى ساحل المحيط الأطلسي.