تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أن عدد اليهود في المغرب في بداية الأربعينات كان يصل إلى 250 ألفا، غير أنه مع إعلان ديفيد بن غوريون، تلميذ ثيوردور هرتزل، سنة 1948، قيام دولة إسرائيل على أراضي فلسطين، بدأت أعداد معتنقي الديانة اليهودية المغاربة في التناقص، حيث عمل جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد إل جانب منظمات صهيونية على ترحيلهم إلى "أرض الميعاد".
وكان القادة الصهاينة آنذاك في حاجة ماسة إلى استقطاب أكبر عدد من اليهود من مختلف دول العلم، من أجل تغيير الواقع الديمغرافي، وتسهيل السيطرة على الأراضي.
لكن اليهود المغاربة الذين يشكلون اليوم ثاني أكبر جالية في إسرائيل بعد اليهود من أصل روسي، كان ينظر إليهم وإلى اليهود القادمين من الدول العربية بصفة عامة (السفارديم) بكونهم مواطنين من درجة ثانية، بينما كانت تمنح الامتيازات لليهود من أصول أوروبية (الأشكناز).
بل وكان التمييز حتى بين اليهود المغاربة أنفسهم، حيث يشير موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن القيادة اليهوديّة وضعت "شروطًا للهجرة إلى إسرائيل، وفضّلت قبول المغاربة الشبّان والمعافين، الذين يمكنهم المساهمة في تطوّر الدولة الفتيّة، فيما اضطُرّ المسنّون والمرضى إلى البقاء في المؤخرة، ومات كثيرون منهم قبل الحصول على فرصة الهجرة".
"مثل أية هجرة من الدول العربية إلى إسرائيل، واجه يهود المغرب أيضًا صعوبات عديدة مع وصولهم إلى البلاد. فقد عانوا من النظرة الدونية إليهم كأشخاصٍ دون حضارة، عنفاء، وبدائيين، وذلك رغم تقاليدهم وحضارتهم المتنوّعة والثريّة التي جرى الحفاظ عليها على مرّ السنين. ومن المهين بشكل خاصّ اللقب "مغربيّ سكّين" الهادف إلى التلميح أنّ طبيعة يهود المغرب حارّة وعنيفة".
ومنذ إعلان قيام إسرائيل أمسك الأشكناز بمراكز السلطة، وحاولوا تقديم إسرائيل بأنها دولة حديثة على الطراز الأوروبي.
وفي سنة 2018، رفعت السرية عن أرشيف الدولة العبرية الذي يعود تاريخه لسنوات 1950 و1960، وأميط اللثام عن وجود مخطط رسمي أقرته السلطات الإسرائيلية آنذاك لفرض رقابة على عملية استقرار اليهود الوافدين من دول شمال أفريقيا في إسرائيل.
وكان قادة الحركة الصهيونية يرسلون اليهود المغاربة إلى صحراء النقب، فيما كان اليهود من أصل أوروبي يقيمون في المدن الكبرى.
واستمر غياب اليهود المغاربة عن المشهد السياسي في إسرائيل رغم تواجدهم العددي الكبير، إلى غاية نهاية الستينات، حين قرروا التمرد على الوضع القائم.
حركة الفهود السود ترهب إسرائيل
بوادر الاحتجاج على الوضع القائم في "أرض الميعاد" كانت سنة 1959، حين جرفت موجة من التظاهُرات مدينة حيفا بعد أن أطلق شرطيّ إسرائيلي النار على شخصٍ من أصل مغربيّ في حيّ وادي الصليب في المدينة، وكان ردّ فعل الشرطة عنصريًّا بحدّ ذاته، إذ اتّهمت المتظاهرين بأنهم سكارى وعاطلون عن العمل.
وفي أوائل السبعينات سيتخذ رفض اليهود من أصل مغربي للوضع، منحى آخر، حين قرر عدد منهم تأسيس حركة يسارية تحت اسم "الفهود السود".
وكان من بين مؤسسي الحركة تشارلي بيتون، الذي ولد في 11 أبريل 1947 في الدار البيضاء، وسعدية مارسيانو الذي ولد في 1 ماي 1950 بمدينة وجدة، ورَؤوبين أبارجل الذي ولد سنة 1943 بمدينة الرباط.
وبعد تأسيسها، طالبت الحركة الإذن بالتظاهر السلمي أمام بلدية القدس، احتجاجًا على الهوة الاجتماعية، وجاء القرار بالرفض من رئيسة الوزراء غولدا مائير، دون إبداء الأسباب، وفي المساء نفذت الشرطة اعتقالات احترازية أدت إلى اندلاع المظاهرات.
وجرت اشتباكات شملت معظم المدن التي يعيش فيها اليهود من أصل شرقي، رفعت خلالها شعارات تطالب بإسقاط "دولة الأشكناز".
وفي سنة 1974 اعتقل سعدية مارسيانو بتهمة إلقاء قنبلة على مكتب حاخام، وحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر، وكان هذا الاعتقال وحملات التفتيش والتنكيل بأعضاء الحركة هو ما أشعل شرارة المواجهات من جديد، وقد ردت الحكومة بعنف واعتقلت قادة المنظمة التي أطلقت مظاهرات عارمة هزت البلاد بعنف.
وأمام تصاعد موجة الغضب، استجابت الحكومة لمطلب مناقشة مطالب "الفهود" بجدّية، وشكلت لجنة عامّة للتحقيق. وأظهرت نتائج التحقيق أنّ طبقات عديدة في إسرائيل جرى التمييز ضدّها. في أعقاب ذلك، ازدادت بشكل ملحوظ ميزانيات الوزارات التي تُعنى بالشؤون الاجتماعيّة.
كما أن احتجاجات اليهود من أصل مغربي أدت إلى الإطاحة بسلطة حزب مباي (حزب عمّال أرض إسرائيل) عام 1977، وإيصال حزب الليكود برئاسة مناحيم بيجن إلى السلطة للمرة الأولى.
وبعد ذلك بدأ اليهود المغاربة يتقلدون بعض مناصب صنع القرار، وفي الحكومة الحالية التي يقودها بنيامين نتنياهو يوجد عشرة وزراء من أصل مغربي، لكن رغم ذلك لا يزال اليهود من أصل مغربي يؤكدون أنه يجري التمييز ضدهم.
ففي سنة 2018 تحدثت دراسة إسرائيلية عن وجود فجوات ضخمة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين في سوق العمل الإسرائيلية.
وأوضحت أن 78 بالمئة ممن يتخذون القرار بقبول الموظفين الجدد في الوظائف الحكومية هم من اليهود الغربيين، مقابل 22 بالمئة من اليهود الشرقيين، فيما يتولى 60 بالمئة من الأشكنازيين إدارة أقسام الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية، مقابل 40 بالمئة من الشرقيين.
ولا يقتصر التمييز على اليهود الاشكناز، ففي سنة 2015 خرج المهاجرون اليهود من أصل إثيوبي (الفلاشا) للاحتجاج على التمييز الممارس في حقهم، واصطدموا مع الشرطة، ما خلف عشرات الجرحى.