توجه الشاب المغربي سامي الصلح محمد فاظل إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2005، بعدما وقف الحظ إلى جانبه في القرعة السنوية للحصول على رخصة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وولد سامي في مدينة كلميم سنة 1984، وتابع دراسته الابتدائية والاعدادية بين مدينتي كلميم والعيون، وكان يحلم منذ صغره بأن يصير مهندسا، لذلك اختار مواصلة دراسته في شعبة الكهرباء الصناعية.
وبما أن منطقة الصحراء لا توجد بها ثانوية تقنية، أقنع والديه بالتوجه إلى مدينة أكادير، التي حصل بها على شهادة الباكالوريا.
وفي حديثه لموقع يابلادي قال إن هدفه "كان متابعة الدراسة في الأقسام التحضيرية، لذلك قمت بوضع ملفي لمتابعة دراستي في فرنسا، لكن تأخرت في الحصول على تأشيرة، و ضاع حلمي في أن أصير مهندسا".
ويؤكد سامي أنه "آنذاك بدأت أرى كل شيء مظلم، رأيت الحلم يتحطم أمامي، وتوجهت إلى المدرسة العليا للتعليم التقني بالمحمدية، ودرست بها لمدة سنتين، مرت كلها وأنا أعيش خيبة ضياع الحلم".
"في آخر السنة ذهبت إلى فرع لشركة بروكتر وغامبل (Procter and Gamble)، الأمريكية التي تعد أكبر شركة لصناعة المواد الاستهلاكية في العالم، في مدينة الدار البيضاء من أجل إجراء تدريب، لكن حارس الأمن منعني من الدخول وطلب مني نسخة من سيرتي الذاتية، ولم يتصلوا بي بعدها، وشاءت الأٌقدار أن أشتغل داخل مقر الشركة بالولايات المتحدة".
وفي آخر السنة الدراسية، كان اسمه ضمن الذين حالفهم الحظ في قرعة الهجرة إلى الولايات المتحدة، ليتوجه بعد ذلك إلى نيويورك، وعاد حلم الصغر ليراوده مجددا، بعدما علم أن النظام التعليمي في الولايات المتحدة مختلف عن الذي يوجد في المغرب.
لكن، قصته مع حارس الأمن الذي يقف في طريقه لم تنته في المغرب، فبعد وصوله إلى نيويورك، أجرى بحثا عبر الأنترنيت وتوجه إلى إحدى الجامعات "لم أكن أتقن الإنجليزية، وطلب مني حارس الأمن مده برقم "ID" من أجل الدخول، لم أفهم وسلمته جواز السفر فقال لي عد من حيت اتيت. وجلست أنظر إلى الطلبة يدخلون ويخرجون، وأن أقول بدواخلي سألج هذه الجامعة يوما ما".
بعد ذلك علم أن الدراسة في الجامعة تتطلب أموالا كثيرة، وقرر تأجيل الحلم، وبدأ يشتغل سائق سيارة أجرة، كما اشتغل في عدة مطاعم، "كنت أرى جميع المهن التي زاولتها مجرد مهن مؤقتة في انتظار تحقيق حلمي"، وبعد ثلاث سنوات التقى بطلبة مغاربة، وشرحوا له كيفية متابعة الدراسة.
وفي سنة 2008 ولج كلية مدينة نيويورك (City College of New York)، وواصل العمل بالموازاة مع ذلك.
وإلى جانب الدراسة والعمل، أسس سامي رفقة مغاربة آخرين، "مجموعة المغاربة في نيويورك" من أجل "تقاسم الخبرات والأفكار بيننا، وبدأنا نجمع المغاربة، كانت تجربة رائعة، ورغم مغادرتنا نيويورك لازالت المجموعة مستمرة في العمل، وأصبح لها اشعاع كبير".
وفي سنة 2012 أصبح حلمه في الصغر والذي رفض التخلي عنه حقيقة، وبدأ في العمل داخل شركة مسؤولة عن تزويد نيويورك بالغاز والكهرباء.
وشاءت الأقدار بعد أشهر من ذلك أن يلج سامي الشركة الأم للفرع المغربي الذي رُفِض له السماح بدخوله في المغرب لإجراء تدريب، وأصبح موظفا في بروكتر وغامبل، التي توجد لها فروع في أكثر من 80 بلدا.
سامي فاظل مع John Carnell محافظ ولاية delaware خلال إفطار رمضاني
وعمل كمهندس في فرعها في ولاية ديلاوير، وبعد أربع سنوات انتقل إلى مقرها المركزي في سينسيناتي أوهايو، حيث يتحمل المسؤولية التقنية لستة معامل.
واستطاع سامي خلال ثماني سنوات من العمل ان يكتسب خبرة في قطاعين من اهم القطاعات الحيوية داخل الشركة (Baby Care & Family Care), وان يوظف خبرته للمساعدة في ايجاد الحلول التقنية وتلبية اهداف الانتاج التي تطمح اليها. وبذلك استطاع تسلق الدرجات بسرعة وتحمل مسؤلية جهوية.
عمله لم يمنعه من دخول عالم العمل الجمعوي، حيث أسند له دور ممثل للجالية المسلمة في تسيير ملجا المتشردين بولاية ديلاوير من سنة 2014 حتى 2017.
ولأن كثيرا من المواقف المؤلمة تبقى عالقة في الأذهان وترفض مغادرة الذاكرة، فقد تحدث سامي عن موقف عنصري تعرض له وقال "إبان نهاية ولاية أوباما وصعود نجم ترامب تعرضت لموقف عنصري في متجر معروف، السيدة انهالت علي بالشتائم، وعندما حضر مديرها في العمل تعامل بشكل بارد، وادعت الموظفة أنني من اعتديت عليها وصدقها رغم أنني قدمت له تسجيلا صوتيا".
"إثر ذلك توجهت إلى مصلحة حكومية تهتم بمراقبة حقوق الانسان، وقدمت شكاية، لم أوكل محاميا للدفاع عني، توليت ذلك بنفسي، استمرت الجلسات لمدة شهرين، وطالبت بمعاقبة السيدة التي اعتدت علي، وإعادة تدريب الموظفين على عدم التعامل بعنصرية، وربحت القضية، وعوقبت الموظفة وخصصوا ساعة واحدة لإعادة توجيه حوالي 250 موظفا في المتجر".
وأضاف سامي أنه رغم بعض المواقف التي تظهر بين الفينة والاخرى والتي تشير إلى مواقف عنصرية ضد بعض المهاجرين، إلا أن النظام الامريكي بشكل عام يحافظ على العدالة الاجتماعية و يؤسس لكرامة المواطن الامريكي كيفما كان انتمائه العرقي والديني.
وتابع أن أغلب المواقف تكون ناتجة عن عدم معرفة بعض الأمريكيين بخصوصيات وثقافة الشعوب الأخرى، "الشيء الذي يستوجب منا كمهاجرين الاندماج في المجتمع والتعريف بخصوصيات مجتمعاتنا العربية والاسلامية، و لكي نعبد الطريق للأجيال المقبلة ونسهل لهم الاندماج مع المحافظة على الانتماء الديني والثقافي".
ويرتبط هذا الأب لتوأمين يبلغان من العمر ثلاث سنوات بالمغرب كثيرا، "أزوره على الأقل مرة واحدة في السنة، عائلتي كلها في مدن الصحراء".