كشفت جائحة كورونا عن الاعتماد المفرط للشركات والحكومات الأوروبية، التي تعاني بالفعل من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، على الصين في كل شيء تقريبًا بدء من السيارات وحتى الأدوية.
وهذا ما دفع المفوضية الأوروبية إلى الدعوة إلى "استقلال ذاتي استراتيجي" في القطاعات الرئيسية مثل الأدوية وبناء سلاسل امدادات أكثر موثوقية وتنوعًا كجزء من حزمة مقترحة للتعافي من آثار جائحة كورونا بقيمة 750 مليار يورو (858 مليار دولار).
وتسعى ألمانيا- التي تعتمد على موردين عالميين لـ 17٪ من إنتاجها وفقًا لمعهد "إيفو" الاقتصادي الألماني (IFO)، الذي يقع مقره في ميونيخ – أيضا من أجل إيجاد استراتيجية لتعزيز سلاسل الامدادات المحلية وتقليل الاضطرابات المستقبلية. ومن المتوقع أن تتضمن الاستراتيجية الجديدة قواعد أكثر صرامة بشأن حقوق الإنسان وحماية البيئة على السلع المستوردة، وهي خطوة يقول الخبراء إنها ستعزز الشركات المصنعة المحلية.
يقول غيوم فان دير لو من "مركز الدراسات السياسية الأوروبية"، ومقره بروكسل في حديثه لـ DW: "إذا نظرت إلى المغرب، تجد هناك ظروفا أكثر ملاءمة لمجالات معينة وفيما يتعلق خصوصا بالطاقة المتجددة والقطاعات ذات الصلة بالبيئة، فإن المغرب في صدارة الترتيب ويحاول الاتحاد الأوروبي الاستفادة من ذلك. والفكرة التي أعربت عنها المفوضية الأوروبية بالفعل بشأن تنويع سلاسل الامدادات يمكن أن تكون مفيدة للمغرب ويمكن أن تسرع وتيرة المفاوضات حول اتفاقية تجارية جديدة".
المغرب حريص على اقتناص الفرص
وقد صرح وزير الصناعة المغربي مولاي حفيظ العلمي لأعضاء البرلمان في أبريل / نيسان 2020، في إحاطة إعلامية له عن التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا قائلا إن "الاقتصاد المغربي سيواجه صعوبات وتغيرات في تكوينه. لكن هناك أيضا فرص كبيرة يمكن اغتنامها".
مضيفا أن "الفرص المتاحة أمام المغرب الآن لم تكن ممكنة خلال الخمسين سنة الماضية".
وما قاله العلمي هو ببساطة ترديد لما قاله العديد من الخبراء خلال الأشهر القليلة الماضية، والذي مفاده أن الشركات الأوروبية، التي تضررت بشدة من الاضطرابات الضخمة لسلاسل الامدادات جراء جائحة كورونا، ستسعى جاهدة لجعل سلاسلها الخاصة أكثر مقاومة للصدمات المستقبلية، ويشمل هذا التقليل من الاعتماد المفرط على الصين وتقريب مصانع الامدادات من الأراضي الأوروبية
بيئة مستقرة
يقول الخبراء إن المغرب واحة الاستقرار السياسي في الناحية الجنوبية المضطربة من الاتحاد الأوروبي والشريك التجاري الموثوق به للكتلة الأوروبية، قد يكون خيارًا واضحًا للشركات التي تتطلع إلى تقليص طول سلاسل الامدادات الخاصة بها.
وقال أليساندرو نيسيتا من الأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) في حديثه إلى DW "المغرب في وضع جيد للغاية بسبب قربه ولأنه جزء من اتفاقيات التجارة الإقليمية للاتحاد الأوروبي ، فإن قواعد المنشأ الخاصة به تتكامل إلى حد ما مع قواعد الاتحاد الأوروبي".
المغرب، الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، والتي يصفها الكثيرون بأنها بوابة للاستثمار الغربي في أفريقيا، هي واحدة من الدول القليلة في العالم التي لديها صاتفاقيات فقات تجارة حرة مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وكلاهما منخرطان في الوقت الحاضر في محادثات من أجل معاهدات تجارية أعمق وأكثر شمولا.
وقد أسهمت روابطها الاقتصادية والتجارية المزدهرة، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي، والاستثمار الضخم في البنية التحتية، والحوافز مثل الإعفاءات الضريبية والعقارية، ظهورها كرائدة في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، وجاءت فرنسا كرائدة لمعظم هذه الاستثمارات في عام 2018.
ويعد الاتحاد الأوروبي، الذي يعيش به عدد ضخم من المهاجرين المغاربة ولاسيما في فرنسا وإسبانيا، أكبر شريك اقتصادي للمغرب، حيث يستحوذ الاتحاد الأوروبي على أكثر من نصف تجارة المغرب واستثماراته الخارجية. وتمثل حركة التجارة بين الاثنين والتي تهيمن عليها تجارة الآلات ومعدات النقل، حوالي 40 ٪ من الصادرات والواردات (بالمغرب).
قطاع سيارات قوي
أكثر القطاعات، التي سيحصد مكاسب واضحة من عملية الاستبدال الشامل المتوقع في سلاسل الامدادات للمغرب هو قطاع السيارات. حيث برزت البلاد كمركز لشركات صناعة السيارات التي استهدفت الأسواق في إفريقيا وأوروبا خلال السنوات القليلة الماضية ، بدعم استثماري ضخم من صانعي قطع غيار السيارات الأوروبية. ويعد المغرب مقرا لشركات تابعة لشركات صناعة السيارات الفرنسية الكبرى مثل رينو وشركة "PSA" المالكة لسيارات بيجو وسيتروين.
وقال محللون من شركة الأبحاث الدولية فيتش سوليوشنز: "المغرب سيكون منافسًا قويًا للاستفادة من إعادة هيكلة رينو و PSA حيث تهيمن هاتان الشركتان على قطاع صناعة السيارات في البلاد وسلاسل الامداد الخاصة بها متطورة بالفعل في البلاد".
وقد وجهت جائحة كورونا ضربة قوية لشركات صناعة السيارات العالمية، بما في ذلك العلامات التجارية الأوروبية، مما أجبر المصانع على الإغلاق وتسبب في اضطرابات في سلاسل الامدادات وانخفضت المبيعات. ومن المتوقع أن تدفع الأزمة بعض شركات صناعة السيارات إلى الخروج من الأسواق التي تتعثر بها والتركيز على أسواقها الأساسية.
ويتوقع محللون أن "المغرب يمكن أن يشهد زيادة في الاستثمار في سلسلة الامدادات المحلية لشركة رينو حيث تتطلع الشركة إلى إعادة هيكلة عملياتها للتركيز على أسواقها الأساسية (مثل أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط)، مما يضع صناعة السيارات المغربية في وضع قوي للاستفادة من خطة إعادة الهيكلة هذه بسبب قربها وعلاقاتها التجارية الوثيقة مع أوروبا وإفريقيا والشرق الاوسط".
ومن المتوقع أن امتلاك المغرب لقوة الأيدي العاملة الأكبر والأرخص سيمنحها ميزة على دول وسط وشرق أوروبا (CEE)، والتي يمكن أن تستفيد أيضًا من خطط إعادة هيكلة شركات صناعة السيارات. حيث تسببت هجرة العمال من دول وسط وشرق أوروبا إلى أوروبا الغربية بحثًا عن فرص أفضل وأجور أعلى إلى نقص العمالة وزيادة التكاليف في تلك البلدان.
لكن بعض المحللين لا يتوقعون أيمكاسب فورية للمغرب ويقولون إن البلاد ستبدأ فقط في الاستفادة من جهود إعادة الهيكلة هذه بدء من عام 2021 فصاعدًا حيث "سيحرص صانعو السيارات على خفض نفقاتهم في أقرب وقت ممكن في عام 2020 بسبب ضعف الطلب على السيارات والتكاليف الناجمة عن اضطرابات الإنتاج جراء جائحة كورونا ".
إغراء الانتاج منخفض التكلفة
وبرغم اعتماد المغرب العديد من الإصلاحات الاقتصادية في العقدين الماضيين، لا تزال هناك تحديات، بما في ذلك ضوابط رأس المال وندرة العمال ذوي المهارات العالية. وقد فشل نظام التعليم في البلاد والذي تم إصلاحه في الثمانينيات في رفع مستويات المهارة بين شباب البلاد، مما جعلهم غير مناسبين بشكل خاص لأدوار الإدارة الوسطى.
يمكن أن تكون المكاسب المحتملة للمغرب من قيام الشركات الأوروبية بنقل نشاطها إلى البلدان القريبة محدودة بالنظر إلى ميل شركات أوروبا إلى الكفاءة والتكاليف المنخفضة التي تقدمها الصين. ويستبعد الخبراء خروجا واسع النطاق للشركات من الصين على الرغم من المخاطر الناجمة عن الوباء وزيادة التوترات بين الولايات المتحدة والقوة الاقتصادية الآسيوية، ويشيرون إلى أن الاقتصادات الأخرى قد لا تكون لديها القدرة من حيث العمالة الماهرة والبنية التحتية والمواد الخام لتلبية متطلبات الشركات التي تبحث عن بدائل للصين.
ومن المتوقع أيضًا أن تواجه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا منافسة شرسة من دول داخل الاتحاد الأوروبي مثل البرتغال وبولندا ورومانيا، وهي بلدان لديها (منظومة) أجور منخفضة نسبيًا وروابط مع الشركات الأوروبية الكبرى. وتسعى وارسو جاهدة لجذب الاستثمارات من خلال تقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي تخطط لإعادة استثمار أرباحها في البلاد. كما تخطط رومانيا لإطلاق خطط لتشجيع الاستثمارات في مجالات جديدة.
ينشر بشراكة مع DW