فإعادة النظر و التمرد لا يستهدفان فقط الأنظمة الدكتاتورية كما كان الشأن في دول من الأمبراطورية الروسية السابقة سنة 2005 أو العالم العربي سنة 2011 ، بل تشمل مكانة و دور الإعلام والصحفي نفسه. فمستقبل هذا المجال لم يعد مقتصرا على المهنيين بل أصبح المواطن فاعلا أساسيا في ثورة إعلامية حقيقية ضد اللوليين وضد عبودية القلم، الاصوات والوجوه. فهو كذلك تمرد على قداسة المعلومة والخبر ومصدرهما. وحركة 20 فبراير نموذج لتحفظ شريحة من الشباب من إعلام مغربي لم يتكيف مع الواقع الرقمي المتجدد.
فقد جعلت الظرفية الحالية التي تتطلب ميثاقا حديثا ، إلى حد ما، من كل مواطن شاهدا و مراسلا محتملا، قريبا من الحدث ومستعدا لنقل الخبر والصورة. هكذا أصبحت وسائل الإعلام الكبرى في حاجة إلى المواطن-المراسل لأسباب منها القرب والتكاليف. فهاهي الجزيرة وقنوات أخرى تبث مراسلات للمواطنين المدونين مما يكسبها حضورا أوسع ويقوي مصداقيتها كإعلام قلب الحدث. وبالتالي فالمشهد العلمي المسؤول هو الذي يتعامل بذكاء مع التوجهات الجديدة ليتخذها كذرع قوي وإلا فسيبقى خارج العصر و الزمن الإعلامي.
في ايطار هذه المنافسة الحقيقية والتمرد الطبيعي على الصحفي في مفهومه التقليدي وعلى ممارسة إعلامية تقصي الآخر، ترسخت كتابة القرب لتأكد أهمية الويب كمصدر أساسي لتجاوز الإعلام الرسمي كما كان الأمر في تونس، ليبيا و مصر عبر تويتر، الفايسبوك ومواقع المدونين. فثورة الإعلام والمعلومة التي أحدثها الانترنيت وإلى حد ما ويكيليكس، الذي يعني حرفيا روابط الهروب، تفرض الآن على المهنيين تحديث الممارسة بالتزام ثابت من أجل الحقيقة، الشفافية و الديمقراطية بالإضافة إلى المراهنة على التحقيق الميداني الجاد و المضمون المحايد في انتظار قانون أساسي للمعلومات يساير الظرفية الرقمية والمسار الديمقراطي.
هذا المسار و هذا التحول الذي يريده كل المغاربة رهين بالإصلاحات في كل المجالات. والإعلام المكتوب، المسموع و المرئي أساسي لأنه يرافق، يدعم ويشجع التغيير المنشود . لكن الأمر يختلف تماما بالنسبة للصحافة الإلكترونية. فالإعلام الإلكتروني هو أساسا كتابة متحررة من القيود المادية كما تتميز باستقلالية واسعة في الخط التحريري. وبالتالي لا يجب أن يعني الإصلاح هيكلة إدارية لمجال يمارس فيه الملايين انطلاقا من بيوتهم دون انتماء أو تسمية. فالقانون الأساسي للمعلومات حل مناسب وواقعي لحماية الحريات و لتحديد المسؤوليات والأخلاقيات. وكل تنظيم خارج ضمان الحرية سيولد تمردا أشد و قطيعة بدت معالمها مع إقصاء لمدونين وازنين في اجتماعات نظمت تحت إشراف السيد مصطفى الخلفي وزير الإعلام.