فبالإضافة الى تداعياته الانسانية وما خلف من ضحايا، فان تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية كارثية على الدول والشركات والافراد على حد سواء، بما عطله الحجر الصحي وغلق المجالات البرية والبحرية والجوية للدول من مصالح اقتصادية، و لكلفة العالية لمكافحة الوباء التي استنزفت احتياطات الدول.
الجزائر والمغرب ليسا بمعزل عن العالم، و كلاهما تأثر بقدره من تداعيات الوباء. و فيما يتعلق بانعكاسات ذلك على استمرار الدولتين في نزاع الصحراء. فالمغرب يحتفظ بالصحراء النافعة المتنازع عليها ( بحر و ثروة معدنية، و طريق لتسويق منتجاته الى العمق الافريقي) ما يعينه على تغطية بعض او جل تكاليف استمراره في النزاع.
الجزائر تحتضن اللاجئين الصحراويين و جبهة البوليساريو التي تنازع المغرب السيادة على الصحراء و تدير الشريط الصحراوي (غير النافع ) من الاقليم المتنازع عليه. تدفع فاتورة استمرارها في النزاع من خزينتها العامة (دعم اللاجئين بمواد الاغاثة عند شح المساعدات الدولية، تغطية مصاريف جيش البوليساريو و مصاريف خارجية الجبهة... و غير ذلك كثير.
ورغم الكلفة الاقتصادية للاستمرار في نزاع الصحراء الا ان الجزائر لا يخدمها حل قضية الصحراء في المدى القريب، حتى وهي تعلم علم اليقين ان حل استقلال الصحراء عن المغرب الذي تدعمه يكاد يكون مستحيلا، لانه لن يكون ممكنا دون افناء المغرب عن آخره. و لما كان حل الاستقلال غير ممكن فإبقاء وضع النزاع على ما هو عليه حاليا هو الخيار الانسب للنظام الجزائري الحالي. ليس لعناد القيادة الجزائرية كما يعتقد البعض. و لكن لان مصالح الجزائر تقتضي ذلك.
فبقاء الوضع على حاله، و خاصة في ظل بقاء الملف على طاولة الامم المتحدة، و في ظل وقف اطلاق النار. يعطي للقيادة الجزائرية الوقت لترتيب بيتها الداخلي و هيكلة اقتصادها، لتصل لدرجة اقتصاد السوق التي وصلتها اقتصاديات دول الجوار قبل انفتاحها عليهم.
فالأنظمة البائدة في الجزائر كانت تفكر في جيوبها و مصالحها الضيقة على حساب مصالح الشعب الجزائري الذي كانت تنومه و تؤخر ثورته ضدها بالرشاوي و توزيع مداخيل النفط على فئاته بدل استثمارها في البنية التحتية و مشاريع مدرة للدخل و تنويع الاقتصاد الجزائري.
النظام الحالي حتى ولو حاول ان ينظر للنزاع بمنظار مختلف عن سابقيه، فهو في حاجة الى الوقت. لانه ورث تركة ثقيلة اقتصاديا و اجتماعيا، ومع تنامي وعي الشارع و ضعف احتياطات الدولة من النقد لم تعد السلطة في الجزائر قادرة معه على الاستمرار في نفس النهج السابق ( الرشاوي ). لذلك هي مجبرة على القيام باصلاحات عميقة على كافة المستويات. وان كان الاصلاح السياسي حاجة داخلية فان الاصلاح الاقتصادي و اعادة هيكلة الاقتصاد الجزائري ليصير الى اقتصاد حر هو مطلب سلطة اكثر من الشارع الذي الف دعم الدولة لكافة المجالات ( مجانية التعليم و الصحة و السكن و دعم المواد الاساسية).
السلطة الجزائرية غير القادرة على الاستمرار في دعم القطاعات الاجتماعية غير المنتجة، تحتاج الوقت للمواءمة بين الاصلاحات و بين ضغط الشارع، و التحول تدريجيا من اقتصاد موجه الى اقتصاد سوق.
هذا الوقت يعطيه اياها التمسك بقضية الصحراء، والاستمرار في اعلان عدائها للمغرب بين الفينة والاخرى لحين ترتيب بيتها الداخلي و جاهزية الاقتصاد الجزائري للانفتاح على بقية اقتصادات المنطقة.
الجزائر تحتاج من عشر الى عشرين سنة للوصول الآمن الى مرحلة الانفتاح الاقتصادي على محيطها. فهي في حاجة الى رفع الاجور مقابل التخلي عن الدعم المباشر للقطاعات غير المنتجة. فالشارع الذي يريد اصلاحات جذرية، لا يريدها ان تكون على حساب ما عوده النظام السابق عليه من دعم للمواد الاستهلاكية الاساسية و محروقات و نقل و سكن و مجانية التعليم و الصحة.
والسلطة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب و اضطراب اسواق النفط. و اعتماد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على المحروقات. لا يمكن ان تستعجل باصلاحات اقتصادية كبيرة تمس جيوب المواطنين في المدى القريب خشية اندلاع احتجاجات بالكاد تم اخمادها. و هي في حاجة لمهادنة الشارع بالتدرج في الاصلاحات و جلب استثمارات ضخمة لتنويع الاقتصاد و توفير فرص شغل لملايين الجزائريين.
و بسبب هذه المعادلة ستتمسك السلطة في الجزائر بقضية الصحراء كسبب لغلق الحدود و اعاقة تكامل المنطقة حتى تهيء نفسها اقتصاديا و سياسيا.
و قبله بالتأكيد اي سلطة في الجزائر ستبقي على ورقة نزاع الصحراء في وضع الخمول الحالي او وضع اخف الضررين، فهي حجة لابقاء الحدود مغلقة لحاجة الاقتصاد الجزائري لذلك في المدى المنظور، وصولا الى تقاسم كعكة الصحراء مع المغرب في اطار حل سياسي يضمن تكامل اقتصادات المنطقة و يقفز على الحدود من خلال اتفاقيات اقتصادية على شاكلة الاتفاقات التي تمت بداية السبعينات بين الاطراف الثلاثة المغرب و الجزائر و موريتانيا. و جمدتها الجزائر بدعمها لجبهة البوليساريو و اطروحة استقلال الصحراء.
لكن الجزائر ما بعد حراك 22 فبراير و ما بعد تداعيات وباء كورونا، و حين ترتب بيتها الداخلي و تهيكل اقتصادها، ستصبح في حاجة الى الانفتاح على محيطها الاقليمي للاستفادة من تكامل السوق المغاربية. و تيسير الاستفادة من مواردها الطاقوية و المعدنية الموجودة على تخوم الاقليم المتنازع عليه، شأنها في ذلك شأن موريتانيا التي تزخر حدودها مع الصحراء بثروات طبيعية هي في طور الاستكشاف.