ترعرع سعيد التيشيتي بمدينة كلميم وسط عائلة فنية، استمد حبه للموسيقى من أسرته الصغيرة، ويحكي في حديثه مع موقع يابلادي بأن والده كان عضوا "في فرقة لموسيقى كنكا، ووالدتي كانت عضوا في تشكيلات للموسيقى الامازيغية الحسانية الكدرة؛ لهذا يمكنني القول إن والداي كانا بمثابة المدرسة الفنية الأولى لي"، مشيرا إلى أن إخوته الخمسة الآخرين الذين يكبرونه سنا كانوا أيضا من محبي وعشاق الموسيقى، وترعرعوا في السبعينات وهم يستمعون لأغاني ناس الغيوان والبيتلز.
في هذه البيئة الفنية تعلم سعيد التيشيتي الغناء منذ طفولته، ما أكسبه ثقة في نفسه، حيث قام بالمشاركة في عدد من الحفلات المدرسية، وكان يعزف خلالها على آلات موسيقية مختلفة. كما كان لمدينة كلميم التي ينتمي إليها فضلا كبيرا في صقل موهبته حيث قال "كلميم مدينة غنية بتنوعها القبلي واللغوي".
"لقد نشأنا في بيئة تمتاز بتنوع لا مثيل له. يمكنك أن تجد في حي واحد ثقافات مختلفة: جيران من أصول أمازيغية، وآخرون عرب، بالإضافة إلى أولئك الذين ينهلون من الثقافة الحسانية. كنا نفهم بعضنا البعض جيدا، والأكثر من ذلك، تعايشنا مع بعض في وئام تام".
بعد حصول التيشيتي على شهادة البكالوريا، انتقل إلى الرباط عام 1991 لإتمام تعليمه العالي بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، إلى جانب سعيد باي، وإدريس الروخ وسامية أقريو، وسليمة بنمومن وأيضا لطيفة أحرار. وكان المعهد بالنسبة للفنان المغربي ذلك المكان الذي ساهم في تفجير طاقته الفنية. ويحكي التيشيتي أنه تلقى دعوة للمشاركة إلى جانب عدد من الفنانين في جولة للكوميديا المرتجلة.
وقال الفنان المغربي "لم يكن من المخطط أن أشارك في الجولة كفنان كوميدي، لكن كنت متخصصا بالمعهد في التنشيط الثقافي. غير أن الصف السادس الذي كانت لطيفة أحرار جزءًا منه، كان في حاجة إلى تعويض أحد الممثلين، قمنا بالجولة لمدة عامين".
وبعد حصوله على شهادة من المعهد، انتقل سعيد التيشيتي إلى فرنسا عام 1996، بفضل منحة من الدولة الفرنسية. ليحط الرحال بالعاصمة باريس، حيث تابع مشواره الدراسي في السياسة الثقافية والعمل الفني وقال "كنت محظوظاً للغاية لأنني تمكنت من الاحتكاك بطلاب أجانب قادمين من مختلف دول العالم. كنت أعيش بالحي الجامعي، كان يطغى عليه جو التعايش، بحكم أنه كان يجمع بين 112 جنسية".
وتابع "عشت ضمن مجموعة من طلاب قادمين من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، كنا نذهب عدة مرات في الأسبوع الواحد للسينما وأيضا إلى المسرح. لم أنشأ في بيئة فرنسية مائة بالمائة" مشيرا إلى أن السفريات التي كانت تنظمها الجامعة التي يدرس بها، سواء إلى كندا أو البرلمان الأوروبي أو مهرجان أفينيون، كانت تشكل فرصة له للاحتكاك مع ثقافات أخرى.
ولعبت الاقدار دورها، وجمعت بين التشيتي وطالبة من هنغاريا وكللت علاقتهما بالزواج. وفور حصوله على دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، انتقل الفنان المغربي إلى بودابست رفقة زوجته وقررا الاستقرار هناك، حيث اكتشف عالما آخر وقال "لم أفكر يوما في العيش خارج المغرب، لكن الاقدار قادتني إل هناك. لقد وقعت في حب بودابست منذ اليوم الأول، لكنني تعرضت لصدمة ثقافية عند وصولي".
ويحكي التيشيتي أن اللغة الهنغارية شكلت حاجزا له في البداية للتأقلم، مشيرا إلى أن التحاقه بالمسرح مرة أخر هناك، كان له الفضل في تعلمه اللغة بشكل أسرع، وبدأ يشارك في أدوار يتحدث فيها باللغة المحلية.
كما ساعدته ولادة طفليه في الاندماج. ويحكي الفنان المغربي أنه أعجب بالاهتمام الكبير الذي يوليه سكان بودابست للتربية الفنية والرياضية منذ صغرهم.
وتابع "بصفتي موسيقي، كان من السهل بالنسبة لي العثور على فنانين منفتحين على أنواع مختلفة وقادرين على التكيف مع الموسيقى التقليدية التي أؤديها" وأشار إلى أن احتكاكه مع عازفين للموسيقى الكلاسيكية أو الجاز، جعلهم ينضمون إلى أسلوبه الموسيقي، الأمازيغي الحساني، ليقوم بعد عامين فقط من وصوله إلى هنغاريا، بإنشاء مجموعته الموسيقية "Chalaban" في 2000، وهي المجموعة التي تضم موسيقيين من جنسيات مختلفة.
"خلال حفلاتي، لا أكتفي بالعزف وإلقاء التحية على المتفرجين، بل أقوم بتبادل الحديث معهم عن أصول الموسيقى التي أعزفها والتي تعلمتها من مسقط رأسي".
واكتشف سكان هنغاريا مجموعة "Chalaban" التي بدأت تعرف بعد تأسيسها على أنها موسيقى عربية من شمال إفريقيا. ويتذكر سعيد التيشيتي الأيام الأولى لمجموعته قائلا "في حفلنا الأول، عرض علينا مدير المعهد الفرنسي في بودابست أن ننشط الجزء الأول من حفل الفنان رشيد طه، قبل 20 عام بالضبط".
وكانت تلك الحفلة بمثابة الانطلاقة الحقيقية للمجموعة وقال "بعد هذا الحفل، تلقينا عروضا كثيرة في جميع أنحاء هنغاريا. وبعد ذلك بعام، أصدرنا أول ألبوم لنا". بعد اكتساب التيشيتي شهرة واسعة في هنغاريا، بدأ يبدل جهده للتعريف بالفنانين المغاربة وقال "أصبحت من خلال عملي، أشجع المنظمين على استدعاء هؤلاء الفنانين في حفلاتهم".
وبفضل سعيد التيشيتي، اكتشف الجمهور الهنغاري، المعلم محمود غينيا وحميد القصري وقال "كان شهر رمضان يتزامن مع مهرجانات دينية أخرى، وكانت فرصة لنا لدعوة فنانين يعزفون الموسيقى اليهودية المغربية والموسيقى الغجرية الهنغارية، من أجل تجسيد العالمية التي نعيشها".
وتملك مجموعة "Chalaban" في جعبتها، ست ألبومات، وتحضر ألبوما جديدا بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيسها وقال التيشيتي "كان من المقرر أن نقوم بجولة فنية، لكن بسبب الازمة التي يمر منها العالم في ظل انتشار وباء كورونا، سنأجلها إلى 2021".