بينما يتابع العالم بذعر بالغ توسع رقعة انتشار فيروس كورونا بشكل سريع وظهوره في المزيد من دول العالم فتحولت دول أخرى إلى بؤر للمرض لا يُنصح بزيارتها وتُمنع الطائرات القادمة منها، كان ملفتاً تفاعل المواطنين مع ظهور الفيروس في بعض البلدان العربية والمغاربية، بشكل يتناقض مع المشهد السائد عالمياً.
في الدول العربية والمغاربية سادت حالة من الترقب لظاهرة انتشار الفيروس الغامض في أنحاء العالم، وعندما وصل إلى هذه الدول ظهرت ردود أفعال غير متوقعة وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الدول مع وصول كورونا بطرق مختلفة وفريدة من نوعها.
شر البلية ما يضحك
في المغرب مثلاً وحتى قبل ظهور أول حالة، شكّل الفيروس مادة دسمة للسخرية في فيسبوك. واجتهد العديد من مستخدمي الفضاء الأزرق في تعداد الأسباب التي تفسر عدم ظهور الفيروس حتى الآن في البلاد ولماذا لن يظهر. في هذا السياق برر البعض ذلك بأن المغاربة شعب يعاني أصلاً من مصائب أكبر من كورونا نفسها كالفقر والبطالة وضعف البنية التحتية الطبية وظواهر أخرى ستجعل الفيروس "لا يفكر" في الظهور في هذا البلد.
ونشر أخرون تعليقات طريفة عن "استعدادات" المغرب للفيروس. منها مثلاً صور لأعمال حفر قبور جماعية، بينما استخدم البعض صورة مرهم مغربي شهير متعدد الاستخدامات في المغرب معلقين على أنه من استعدادات المغرب لمواجهة كورونا.
وحتى بعد ظهور المرض طغى طابع الاحتفالية والسخرية على طابع الخوف، على الأقل على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تداول نشطاء فيسبوك صوراً لمواطنين قُيل إنهم تجمعوا حول المستشفى الذي يفترض أن أول مصاب بكورونا في البلاد وهو مواطن مغربي قدم من إيطاليا يرقد فيه، وذلك لرؤيته.
ولم يختلف الأمر كثيراً في الجارة الجزائر التي وصل عدد حالات الإصابة فيها إلى 16 حتى الآن، فقد تعامل الجزائريون أيضاً مع جائحة كورونا بشكل يتماشى مع مقولة "شر البلية ما يضحك" وبروح الفكاهة تفاعل رواد فيسبوك مع ظهوره في بلادهم وتفننوا في اختراع طرق "جديدة" للوقابة من المرض، بعضها مستوحى من ثقافة بلدهم! بينما نشر آخرون فيديوهات من مستشفيات مع موسيقى راقصة في إشارة إلى الترحيب بقدوم الفيروس.
وعن أسباب التعامل مع موضوع خطير كهذا بسخرية وفكاهة، يقول منصور عيوني الخبير التونسي في وسائل التواصل الاجتماعي في مقابلة مع DW عربية إن الفكاهة رغم كونها ظاهرة حاضرة بامتياز في موروثنا الديني والأدبي المدون والملفوظ، و"لكن الثورة التعبيرية الجماهيرية التي نشهدها على الشبكات الاجتماعية خلال العشرية الأخيرة تعيد الموضوع إلى الواجهة، بوصفه حالة ثقافية لإبراز وعي المواطن العربي أو المغاربي بعمق الأزمة التي يعيشها على المستويات السياسية والاقتصادية وحتى الصحية".
وفي هذا السياق يضيف عيوني: "إذ ماذا يمكن لإنسان فقير مجهد في وطن متخلف تعصف به الديون الخارجية وترتع فيه عصابات الفساد ويتراقص فيه الإرهابيون على إيقاع التفجيرات أن يفعل في مواجهة حرب بيولوجية من نوع جديد أعلنها كورونا دون أي إنذار؟"
في مصر سخرية من نوع آخر
وحسب الخبير التونسي فإنه حتى مع إمكانية وجود الخوف والهلع أو حتى الألم، ينفجر المواطن في هذه الدول ضاحكاً ومستخفاً بكل شيء بما في ذلك الموت في ظل انغلاق الأفق وانعدام الأمل في الحصول على حقوقه كمواطن. ويرى عيوني أن هذه الموجة من المنشورات التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل "الفيروس يعلن انسحابه من تونس نظراً لعدم توفر الظروف المواتية للحياة" أو "لدينا ما هو أعظم من كورونا، حرارة الهريسة" وغيرها كثير، ظاهرة صحية تدل على حيوية المجتمع وقدرته على تجاوز الخوف والإحباط وتعبيره السلمي عن إفلاس السلطة وتقصيرها في القيام بواجباتها".
فيروس كورونا في مصر شكّل أيضا ًمادة دسمة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي وتعامل هؤلاء مع الموضوع بالنكات والسخرية تحديداً من "إصرار" مصر على عدم الإعلان عن ظهور كورونا في البلاد وسادت حالة من التشكيك في التصريحات الرسمية بهذا الخصوص واتهم البعض السلطات بممارسة التعتيم. ففي الوقت الذي لم تعلن فيه البلاد عن ظهور أي إصابة لديها ظهرت حالات في بلدان أخرى قادمة من مصر، وارتفع عدد المصابين القادمين من مصر حتى أن دولاً خليجية قررت عدم السماح للمصريين بدخول أراضيها قبل أن تعلن مصر رسمياً عن ظهور الفيروس لديها.
وفي السعودية ركز رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص على مشهد لم يألفوه من قبل وهو رؤية الحرم خالياً من زواره، وبينما تفهم البعض ذلك لدواعي الحذر من انتشار كورونا، عبر آخرون عن حزنهم لرؤية هذا المنظر. وقد تحول فيروس كورونا إلى زيت جديد صب على نار الصراع بين الدول الخليجية، فقد تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريح كاتبة إماراتية بأن الفيروس تركيبة قطرية بعد أن دفعت الدوحة المليارات لزراعته في الصين قبل أن تصرح بأن ذلك جزء "من الكتابة الساخرة".
"في لبنان حتى الكورونا جاء من إيران!"
أما في العراق فقد طغت الأحداث السياسية التي يعرفها البلد على تناول موضوع كورونا، فقد شبه البعض من وصفهم بالسياسيين الفاسدين بالفيروس الحقيقي، وانتشرت مخاوف من أن تذهب أموال الإعانات التي سيحصل عليها العراق من وكالة أمريكية ضمن دول أخرى لمحاربة فيروس كورونا إلى جيوب الفاسدين كما وصف ذلك أحد رواد فيسبوك.
وفي لبنان تأثر التفاعل مع الفيروس أيضا بالحراك السياسي الذي يشهده البلد والحضور البارز لإيران في المشهد السياسي اللبناني. ففي البلد الذي عرفت أول إصابة الطريق إليه عن طريق شخص قادم من إيران قبل أن تتوالى الحالات، ركز بعض رواد مواقع التواصل الإجتماعي على هذه النقطة وتعاملوا أيضاً معها بسخرية. فقد كتب أحدهم على فيسبوك معلقاً: "حتى إنت يا كورونا؟ كل العالم إجاهم كورونا من الصين إلا نحنا إجانا من إيران!".
وعن سبب اختلاف التعامل مع الفيروس بين مواطنين من دول كالمغاربية ومواطني دول الخليج مثلاً، خاصة فيما يتعلق بالسخرية، يرجع الخبير التونسي هذه النقطة إلى وجود مناخ حرية أكبر في دول المغرب مقارنة مع دول الخليج وهذا ما يفسر التحفظ في التعامل مع الأمر بسخرية.
بشراكة مع DW