لقد شهدت مدينة طنجة، بعد ظهر يوم أمس الخميس، افتتاح مصنع جديد تابع لمجموعة رونو مخصص لتطوير مجموعتها ذات التكلفة المنخفضة، وإذا كانت المملكة قد رحبت بهذا المشروع بحماس كبير فإن الشارع الفرنسي لم يكن سعيدا بذلك.
"سياسة لن تعود بالنفع على المغاربة"
و صرح نيكولا دوبون أنيان، زعيم حزب انهضي أيتها الجمهوري، لقناة "كنال بلوس" بأن "شركة رونو والسيد غصن المدير العام للشركة يقومان باستثمار لن يعود بالنفع حتى على المغاربة.... ويشجعان انتشار البؤس في الأوساط الفرنسية"، وقال في تصريح لإذاعة RMC، صباح يوم الخميس، بأنه " لو كان هذا المصنع الذي يتواجد فوق التراب المغربي موجها للسوق المغاربية والإفريقية لما أزعجني ذلك، لكن ما أزعجني هو أن هذا المصنع صفقة غير مربحة بالنسبة للمغاربة لأنه مشيد في منطقة حرة، كما أن مجموعة رونو لن تدفع الضرائب لمدة خمس سنوات، وصفقة غير مربحة كذلك بالنسبة للفرنسيين لأن 90 في المائة من السيارات التي سينتجها المصنع موجهة للتصدير في اتجاه أوربا وخصوصا السوق الفرنسية". وفي واقع الأمر، فإن 10 في المائة فقط مما ينتجه هذا المصنع موجهة للسوق المغربية والمغاربية والشرق الأوسط.
وطالب "دوبون أنيان" بفتح تحقيق بشأن ما أسماه "فضيحة الدولة"، وقال مستنكرا :" في الوقت الذي حطم فيه العجز التجاري الفرنسي كل الأرقام القياسية و أصبح "إنتاج فرنسا" حديث كل المرشحين للرئاسة، يأتي هذا الافتتاح ليكشف عن الوجه الأخر لخطابات الحكومة".
وفي نفس السياق تتدخل الجبهة الوطنية، إذ تشير جريدة " Le Parisien" إلى أن الجبهة الوطنية قد نددت بدورها بافتتاح مصنع رونو- طنجة، وأكد لويس أليوت، على أن هذا الافتتاح "فضيحة حقيقية " وأضاف:"يجب علينا منع مجموعة فرنسية كبيرة من الإفراط في نهج سياسة العولمة التي جعلت اليوم العديد من العمال الفرنسيين يعانون من البطالة". فهو يرى بأن "مصنع رونو-طنجة مثال للشذوذ الذي يعرفه هذا النظام الليبرالي المتطرف... إنه نظام مجنون تماما".
"خطأ استراتيجي"
وبالنسبة ل "دومينيك دو فيلبان"، فإن الأمر يتعلق بخطأ استراتيجي ارتكبته شركة رونو، وقال:" هذا السباق نحو التكلفة المنخفضة لن نفوز به، فلو لم نقم بتطوير هذه المجموعة فلن نحافظ على مكانتنا في السوق". إن دومينيك جد "قلق بشأن شركة رونو"، فالوزير الأول السابق أصبح من النقاد.و يقترح "تغيير التوجيه الاقتصادي الفرنسي والسياسة الصناعية لفرنسا ... وجعلها متخصصة مع النهوض بها".
وحسب جريدة لوموند، فإن السيناتور جيرارد لارشي، عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، قد صرح على إذاعة LCI قائلا:" أتمنى لو أن شركة رونو تنتج أيضا في فرنسا، في "دوي" و"فالي دو سين"، وأتمنى كذلك أن تعمل رونو مع المقاولين الفرنسيين، وهذه إحدى المسؤوليات المجتمعية والاجتماعية".
المدير العام لشركة رونو كارلوس غوصن يرد...
وقبل الافتتاح الكبير الذي شهده الموقع الصناعي لشركة رونو في طنجة، قام المدير العام للمجموعة الفرنسية بالرد من خلال إذاعة RTL وقال، وهو يعلن عن افتتاح المصنع الجديد للبطاريات في فرنسا رفقة وزير الصناعة، بأن التصنيع المكثف للسيارات في المغرب " لا يطال فرنسا بسوء، بل بالعكس فهو يضاف إلى العمل في فرنسا (...) وإلى هندستنا ومصانع محركاتنا وممولينا، وفي نفس الوقت نحن نقوم بتركيز منتوجات ذات قيمة مضافة عالية مثل السيارات الكهربائية والبطاريات في فرنسا".
وقد برّر المدير التنفيذي اختيار شمال المغرب كموقع لبناء المصنع الجديد، وقال بأن "كل المنتجات التي يتم إنتاجها في مصنع طنجة هي منتجات ذات تكلفة منخفضة(...) فقد كان يجب علينا الذهاب إلى بلدان تتواجد بها يد عاملة مؤهلة وتكاليف جد منخفضة وتنافسية للغاية". وبالفعل فهذه التكاليف قادرة على المنافسة، براتب لا يتجاوز 240 يورو في الشهر مقابل 450 يورو في رومانيا و 1800 يورو في فرنسا، وزيادة على ذلك فشركة رونو تستفيد من عدة مزايا ضريبية.
البحث عن موازنة
ويشير موقع Estrepublicain.fr إلى أن رونو واثقة من المشروع، في الوقت الذي تُبدي فيه العديد من النقابات بعض التحفظات، وحسب المندوب المركزي للاتحاد العام للشغل فابيان كاش، فإنه لا "يجب تركيز الإنتاج في فرنسا فقط، بل يجب إيجاد موازنة لحجم الإنتاج بين مختلف المواقع الصناعية في أوربا"، ويجب على الأطر أيضا أن يقترحوا، من خلال الاتحاد الفرنسي للتكوين المهني وتكوين الأطر، موازنة بين السيارات منخفضة التكلفة المصنوعة بالخارج والسيارات المصنوعة في فرنسا.
وفي انتظار أن يتم القيام بذلك، فإن الشركة الرائدة في صناعة السيارات لا ترى مشكلا في القيام بهذه الموازنة، إذ يرى نائب المدير العام لشركة رونو كارلوس تافاريس، حسب موقع Le JDD، أن السيارات التي سيتم صنعها في مصنع رونو- طنجة ستولد نشاطا اقتصاديا في فرنسا، وقال خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ "بأن صنع السيارات في طنجة يُذر حوالي 800 يورو من الأرباح على فرنسا، على كل سيارة قد صنعت، لأن حوالي 400 يورو من قطع الغيار يتم استيرادها من فرنسا وبالتالي سيتم تحقيق 400 يورو من وراء الهندسة".
وعلى أي حال، فإن السلطات المغربية ترى في هذا المشروع فرصة للنهوض بقطاع صناعة السيارات الذي ظل قابعا في الظل لسنوات عديدة نظرا لغياب البنيات التحتية، حتى أنها قامت بتمويل بناء مركز لتكوين عمال شركة رونو- طنجة.