تقود الاقدار الانسان إلى لقاء أشخاص بالصدفة فيجعلونه يغير طريقة تفكيره ونظرته إلى الأمور. هذا هو حال المهاجرة المغربية، عائشة قبلاوي المقيمة في ألمانيا.
ففي تصريح لموقع يابلادي قالت "في شهر غشت من سنة 2018 كنت في عطلة في المغرب، ذهبت إلى السوق وإذا بامرأة تحمل طفلها على ظهرها، توجهت نحوي لكي أشتري منها كيسا بلاستيكيا. في الحقيقة لم أكن في حاجة إليه ورفضت ذلك، لكنها أصرت على ذلك وقالت لي كلاما أثر في كثيرا، قمت بعدها بشراء جميع الاكياس التي تحملها بيدها".
وتتذكر قبلاوي ذلك اليوم بكل تفاصيله قائلة "كلمات بائعة الاكياس البلاستيكية، ظلت راسخة في ذهني، وعند عودتي إلى المنزل راودتني فكرة إيجاد عمل بديل لأمثال هؤلاء النساء".
وبالفعل قامت عائشة في ذات اليوم بإفراغ مرآب منزلها الواقع بحي الڭردان في إقليم تارودانت مما كان بداخله، وحولته إلى ورشة عمل خاصة بصناعة أكياس من الثوب، واشترت آلات وجميع معدات الخياطة، وكانت تطمح من وراء هذا المشروع الصغير إلى خلق فرص شغل لنساء المنطقة، وأيضا محاربة الاكياس البلاستيكية والمحافظة على البيئة.
عزيمة عائشة وإرادتها في تحسين حياة نساء منطقتها، كانت كبيرة، لدرجة أنها قررت في نفس الأسبوع تأسيس تعاونية، أطلقت عليها اسم "صنعة هوارة" نسبة للمنطقة التي ترعرعت بها، والتي تسمى بـ "أولاد تايمة" أو "هوارة" واختارت ألوان العلم المغربي، كلون لأكياس الثوب.
"أردت استغلال الوقت المتبقي لي في المغرب، وقمت بجمع الأوراق الإدارية اللازمة في وقت قصير جدا، واخترت عشر سيدات كن في حاجة أكثر من غيرهن لهذا العمل، وقمت بالترويج للمنتوج في المنطقة، وطرقت باب المحلات التجارية لكن للأسف، لم أتلق عددا كبيرا من الطلبات، توصلت بطلبات من الغرفة التجارية وتاجر واحد فقط".
رغم ذلك، لم تتخل عائشة عن السيدات اللائي علقن كل أملهن عليها، وقررت هذه المرة الترويج لمنتوجها بألمانيا، من خلال المشاركة في المعارض التي تقام بالمدن الألمانية خاصة بهيرتن، وهي المدينة التي تقطن بها هي وأفراد أسرتها.
"قمنا بإنتاج أكياس ثوب تحمل نفس اللون، الأحمر والاخضر، إذ يستعملونها هنا في أعياد الميلاد وتحمل اسم "MD" وهي كلمة مختصرة للمغرب وألمانيا. حصلت على رضا مجموعة من الزبائن الذين أعجبوا بمنتوجي".
وتعمل عائشة في الوقت الحالي على خلق تعاونية أخرى بألمانيا، وتؤكد أنها تريد أن تتجاوز ضعف الاقبال في المغرب من خلال " إنتاج أكياس الثوب في المملكة، وتسويقها في ألمانيا من طرف التعاونية التي ستفتح أبوابها قريبا". وبحسبها فإن هذه المبادرة من شأنها أيضا خلق فرص شغل للاجئات اللائي يتواجدن بالبلدية التي تشتغل بها كمساعدة اجتماعية ومترجمة.
وإلى جانب اهتمامها بنساء بلدتها الأم في المغرب، تشتغل عائشة كمساعدة اجتماعية ومترجمة ببلدية هيرتن في ألمانيا منذ سنة 2015، وتحدثت عن عملها قائلة "أعمل كمترجمة وأساعد اللاجئين القادمين من دول عربية أغلبهم من سوريا والعراق، بالإضافة إلى الاشخاص القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء"، وقبل ذلك كانت تزاول نفس المهنة بمنظمة الكاريتاس، وهي منظمة إغاثة اجتماعية ألمانية عالمية تابعة للكنيسة الكاثوليكية.
وبدأت عائشة مزاولة هذه المهنة، بعد حصولها على شهادة في تخصص اللغة الألمانية والتواصل، وأوضحت أنها تركت مقاعد الدراسة في المغرب من السنة الأولى إعدادي استعدادا لزواج لم يستمر. وبعد انتقالها إلى ألمانيا سنة 2001 عادت إلى إتمام دراستها، وتزوجت برجل ألماني وهي الآن أم لثلاث بنات.
وتشارك عائشة في عدة أنشطة ثقافية تشرف عليها مؤسسات تعليمية وجمعيات. وتؤكد أنها خلال هذه الأنشطة تحرص "دائما على ارتداء الزي المغربي، سواء القفطان أو أي لباس تتميز به منطقة معينة من مناطق المغرب، وأتعمد ذلك لكي أجذب انتباه الزوار وأعرفهم على جمال التقاليد المغربية" وإلى جانب ذلك تعمل عائشة على التعريف بالمطبخ المغربي وبالمنتوجات التي يشتهر بها المغرب كزيت الأركان...
كما أن اهتمام عائشة بالبيئة، قادها إلى تأسيس جمعية تحت اسم "إقليمي للبيئة والتنمية" بالقرب من مدينة أولاد تايمة، تهدف من خلالها إلى التوعية والتحسيس بأهمية البيئة والمحافظة عليها، وتؤكد أنها "جمعية خاصة بالأطفال، نقوم بزرع حب البيئة فيهم مند الصغر، من خلال تعليميهم كيفية تدوير النفايات واستخراج أشياء مبتكرة منها وتعليمهم غرس النباتات والاشجار".
ونظمت المهاجرة المغربية السنة الماضية، أول ملتقى لها بالمنطقة نفسها، قامت من خلاله هي وباقي أعضاء الجمعية، وأغلبهم شباب، بتقديم عدة عروض حول موضوع البيئة، كما نظمت مسابقات للأطفال من أجل توعيتهم بضرورة العناية بالبيئة، وتخطط لتنظيم هذا الملتقى بشكل سنوي في المستقبل.