عرفت الدورة الـ 18 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي أسدل الستار عن فعالياته، يوم أمس السبت بقصر المؤتمرات بالمدينة الحمراء، حضور زهاء 105 ألف متفرج تابعوا مختلف العروض والأنشطة، التي اختتمت بمنح الجائزة الكبرى "النجمة الذهبية" للفيلم الكولومبي الطويل "وادي الأرواح" لمخرجه نيكولا رينكون جيل.
وتمكن الجمهور العريض عبر هذه الدورة التي نظمت تحت شعار التنوع، الالتزام والحرية، من استكشاف مختلف التعبيرات السينمائية التي تتميز بها القارات الخمس، بما يؤكد شعبية وأهمية هذا الموعد الفني الوازن.
ولم يفتر حماس الجمهور إزاء مختلف فقرات المهرجان طوال الأيام التسعة لهذه التظاهرة، وذلك منذ أولى العروض. وهكذا، تمكن عشاق الفن السابع، الطلبة، والسياح وعموم الجمهور من التعرف على أعمال أصيلة قادمة من العالم بأسره.
وإلى جانب الأفلام الـ 14 المتنافسة، تميزت هذه الدورة على الخصوص بالتكريم الذي حظي به أربعة أسماء كبرى من الساحتين السينمائيتين المغربية والعالمية. فقد تسلم الممثل الكبير والمخرج والمنتج الأمريكي روبرت ريدفورد النجمة الذهبية للمهرجان من يدي الممثلة شيارا ماستروياني والمخرجة ريبيكا زلوتوفزكي، وذلك أمام قاعة غصت جنباتها بالحاضرين الذين ظهرت ملامح التأثر والحماس بادية على محياهم ليقفوا مصفقين بحرارة لهذا الفنان الكبير.
من جانبه، أكد الممثل الفرنسي بيرتراند تافيرنييرا، مازجا بين التواضع وحس الفكاهة، خلال حفل تكريمه، أن "مهرجان مراكش يمكن من فتح نوافذ على العالم وتجاوز الحدود".
من جهتها، حظيت النجمة الهندية بريانكا شوبرا جوناس بتكريم شعبي بساحة جامع الفنا، وذلك وسط حشود من عشاقها الذين حجوا بالآلاف للاحتفاء بها خلال أمسية ستظل خالدة في الأذهان.
كما حظيت الأيقونة المغربية منى فتو بتكريم كبير، حيث أعربت الممثلة عن رغبتها في إهدائه إلى "جميع الممثلات والنساء المغربيات".
وتميز المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بالكثير من اللحظات القوية التي طبعها روح التبادل والإثارة والاكتشاف. وهذا ما كان جليا منذ الأمسية الافتتاحية عندما أحيا المهرجان ذكرى الراحلين أمينة رشيد وعبد الله شقرون. وظل مقعدهما داخل قصر المؤتمرات بمراكش فارغا طيلة الأمسية، وذلك تقديرا واحتراما لهذين الوجهين المألوفين في المهرجان والأسطورتين الحيتين في تاريخ السينما والتلفزيون والإبداع الفني المغربي.
وسيرا على التقليد الذي دأب عليه منذ سنة 2004، قام المهرجان، في إطار فعاليات دورته الثامنة عشرة، بتكريم السينما الأسترالية التي تعتبر من بين الأعرق في العالم والأكثر غزارة من حيث المواهب والأفلام الدولية الكبيرة على حد سواء.
وبمناسبة هذا التكريم الاستثنائي، حط وفد مهم يضم 22 ممثلا ومخرجا أستراليا الرحال بالمدينة الحمراء، أبرزهم الممثلون "جيوفري روش"، و"بين مندلسون"، و"سيمون بيكر"، والمخرجون "جيليان أرمسترونغ" (مسيرتي اللامعة، 1979)، و"بروس بريسفورد" الحائز على أوسكار أفضل فيلم سنة 1989 عن (الآنسة ديزي وسائقها)، والممثلتان "ناومي واتس" (طريق مولهولاند) و"أبي كورنيش" (النجم الساطع) وغيرهما.
وحضر الجمهور، أيضا، عرض 25 شريطا طويلا تعكس تنوع وثراء السينما الأسترالية. ويتعلق الأمر بأفلام قوية ومؤسسة تعكس حوالي خمسة عقود من الإبداع السينمائي الأسترالي.
وجريا على عادته، خصص المهرجان الدولي للفيلم بمراكش مكانة بارزة للسينما المغربية ومهنييها. وعرفت الأفلام الخمسة المبرمجة في إطار فقرة "بانوراما السينما المغربية" حضورا غفيرا، وذلك على غرار الأفلام الطويلة الأخرى المبرمجة في إطار باقي فقرات المهرجان.
وتفاعل الجمهور المتحمس والمتعطش للصور والقصص المحلية بتصفيقات حارة مع الإنتاجات الوطنية المعروضة، بعضها عرض لأول مرة عالميا.
كما أعرب العديد من رواد المهرجان عن فخرهم واعتزازهم برؤية شريط مغربي يتنافس في إطار المسابقة الرسمية، "سيد المجهول" لمخرجه علاء الدين الجم، وكذا فيلم "آدم"، لمخرجته مريم التوزاني، الذي جرى عرضه في فقرة "العروض الخاصة".
ومن بين اللحظات القوية الأخرى في هذه الدورة الثامنة عشرة: "ورشات الأطلس"، وهو البرنامج الصناعي المخصص لسينما إفريقيا والشرق الأوسط، الذي تم إطلاقه سنة 2018 بشراكة مع "نيتفلكس". وجمع الموعد، هذه السنة، 270 مهنيا دوليا حول مجموعة من 28 عرضا جاء بها جيل جديد من السينمائيين المغاربة والعرب والأفارقة.
وكشفت فئة "عروض الأطلس"، الفقرة الجديدة في "ورشات الأطلس"، النقاب عن اللقطات الأولى من الأفلام الجديدة لثلاثة مخرجين أمام نحو 30 مخرجا ومبرمجا للمهرجانات (كان، البندقية، تورنتو، ساندانس، كارلوفي فاري، الجونة، المهرجان الدولي للوثائقي بأمستردام، نيون، القاهرة...). وبالموازاة مع ذلك، شاركت 6 مشاريع مغربية في البرنامج الجديد "نظرة على الأطلس".
وعلى غرار السنوات الماضية، حظي أكثر من 100 شخص من المكفوفين أو ضعاف البصر، من مختلف جهات البلاد، ببرمجة مجموعة من الأفلام بالوصف السمعي. كما استفادوا من الدعم الكامل والمساعدة الشخصية لمتابعة 5 أفلام مبرمجة، فضلا عن مختلف الأنشطة المنظمة لفائدتهم (ندوات، عروض شعرية، غناء، موسيقى... إلخ).
وكان الشباب صغار السن حاضرين بقوة، أيضا، من أجل متابعة العروض المخصصة لهم. ففي المجموع، تابع 3 آلاف و500 تلميذ من جهة مراكش، مصوحبين بمعلميهم، الأفلام المعروضة في هذه الفقرة.
كما تميزت الدورة الـ 18 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بتنظيم، حملة طبية واجتماعية لجراحة الساد (الجلالة) بمستشفى الأنطاكي بمراكش، وذلك خلال الفترة ما بين 2 و7 دجنبر الجاري.
ومكنت هذه الحملة من إجراء عمليات مجانية لـ 400 مريض معوز يعانون من أمراض العيون وينحدرون من جهة مراكش، من عمليات جراحة مجانية، حيث شكلت هذه الحملة لحظة متميزة، سادها الكرم والتقاسم، مكنت ضيوف المهرجان من لقاء الفريق الطبي المتطوع وزيارة مختلف المصالح الاستشفائية المعنية بهذه المبادرة.
وبعد نجاح الدورة الأولى لـ 2018، كانت فقرة "محادثة مع" In Conversation with، في الموعد مرة أخرى، حيث تمكن من استقطاب جمهور غفير ومتنوع. فكل يوم شارك زهاء 500 شخص من مهنيين، وطلبة، وصحفيين، وعشاق الفن السابع في هذه الحوارات.
وهكذا، كانت هذه الحوارات مطبوعة بالتلقائية والبساطة التي أتاحت لثلة من كبار السينما العالمية من البوح بكل صدق حول كيفية ممارستهم ورؤيتهم للسينما.
وهكذا، عرفت الدورة الـ 18 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش برمجة 11 حصة (بدل 7 حصص العام الماضي) مع 12 اسما كبيرا في السينما العالمية: روبيرت ريدفورد، ماريون كوتيار، هيرفي كيتيل، غوشفتي فرحاني، هند صبري، برترند تافرنيي، سرغي لوزنيتسا، إيليا سليمان، لوكا غوادانينو، بريانكا شوبرا جوناس، رشدي زم، وجيرمي طوماس.
وبكل هذه الأنشطة، تكون الدورة الـ 18 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش قد أوفت بكل وعودها، مؤكدة موقع المهرجان كموعد سينمائي وثقافي أساسي بالمغرب والمنطقة برمتها.