لعل الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني إلى الجزائر بدعوة من نظيره الجزائري تعتبر أول مهمة حقيقية توكل إلى الوزير الجديد بعد تعيين الحكومة المغربية برئاسة عبد الإله بن كيران. ويحمل العثماني من الصفات والخصائص ما قد يجعل منه الرجل المناسب للقيام بمهمة زادت صعوبتها مع توالي سنوات الجفاء والتوتر مع الجارة الجزائر وعطلت تفعيل اتحاد المغرب العربي وزادت من انتظارات شعوب المنطقة.
لقد ظل العثماني دائما رمزا لسياسة التوافقات، داخل حزب العدالة والتنمية في علاقاته بتيار الصقور الذين يمثلهم وزير العدل الحالي المصطفى الرميد وبرلمانيين آخرين داخل الحزب، وكذلك في علاقاته بالدولة التي برزت بجلاء من خلال سياسة التطبيع التي قادها في خضم المتاعب التي عاشها الحزب بعد تفجيرات الدار البيضاء في ماي 2003.
يتعلق الأمر بوزير للخارجية يجيد سياسة الوصول إلى القواعد المشتركة مع الخصوم، بابتسامة عريضة لا تكاد تفارق محياه تفتح له ممرات التفاوض دون أن تفقده الوقار والحزم المطلوب.
يقول المراقبون الذين علقوا على زيارة وزير الخارجية للجزائر اليوم وغدا، والتي تعتبر الأولى من نوعها التي يقوم بها وزير خارجية مغربي إلى الجزائر منذ ماي 2004 ،إن العثماني إن نجح في تذويب الخلافات وخفض حدة التوتر مع الجزائريين، واستثمار علاقات التقارب الذي تجمعه بالتيار الإسلامي الصاعد هناك، سيكون قد توفق بلا شك في أداء مهمته كوزير للخارجية، على اعتبار أن ملف التقارب مع الجار الشرقي للمغرب ظل يراوح مكانه على الرغم من الرغبة المغربية المعلنة على أكبر المستويات في التطبيع وفتح الحدود.
في آخر تصريحاته قبل مغادرة المغرب قال العثماني أن مهمته إلى الجزائر لا يحكمها جدول أعمال محدد، بل هي مفتوحة على كل الملفات التي تربط البلدين الجارين. أما بالنسبة لبلاغ وزارة الخارجية الرسمي فقال إن زيارة العثماني تطمح إلى"بحث سبل توطيد علاقات الأخوة والتعاون القائمة بين البلدين الجارين خدمة لمصلحة الشعبين الشقيقين، وكذلك إلى تعميق الحوار حول القضايا المرتبطة بمسلسل تطوير عمل وآليات اتحاد المغرب العربي من أجل الدفع به إلى ما يطمح إليه قادة و شعوب المنطقة".
ويدرك الطرفان معا المغربي والجزائري أن الملفات التي تجمع بينهما، وتفرق في الآن نفسه، هي ملفات الحدود الذي يتلكؤ الجزائريون في فتحها، وتفعيل اتحاد المغرب العربي في أفق تبني الجزائر لموقف حياد تام في ملف الوحدة الترابية للمغرب.
تصريحات المسؤولين الجزائرين التي سبقت الزيارة كانت إيجابية، آخرها ما قاله الوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل من أن الزيارة التي تتم بدعوة من وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي تأتي في ظل التغييرات الجارية في العالم و"الإرادة المتبادلة" لدى جميع دول المنطقة في "بعث" اتحاد المغرب العربي. هذا فضلا على ما صرح به الناطق باسم وزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني من أن الزيارة تدخل في إطار "الديناميكية البناءة التي التزم بها البلدان من خلال تبادل الزيارات الوزارية والتشاور من أجل تعزيز علاقات الأخوة والتعاون التي تربط الشعبين الشقيقين".