يسارع رئيس الحكومة الإسبانية مياريانو راخوي إلى القيام بزيارته الرسمية إلى المغرب يوم الأربعاء، دون أي انتظار لاستكمال الحكومة المغربية الجديدة لتصريحها الحكومي وعرضه أمام البرلمان للتصويت، وفق ما تشير إلى ذلك مقتضيات الدستور الجديد الذي يربط تنصيب الحكومة بتصويت مجلس النواب على التصريح الحكومي.
بل إن ضغط الملفات الداخلية الإسبانية دفعت براخوي إلى التوجه مسرعا صوب المغرب، كما فعل سابقوه من المسؤولين الإسبان، دون مراعاة لضروروات الزمن السياسي والمؤسسي المغربي، والتي تقتضي انتظار تنصيب الحكومة للقاء رئيسها ووزرائها للتداول في الملفات الهامة كالتي ستتم مناقشتها خلال زيارة رئيس الحكومة الإسباني.
لا شك أن الملفات بين المغرب وإسبانيا هي دائما ملفات تسكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى الطرفين معا، على اعتبار علاقات الجوار والتاريخ المشترك والراوابط الاقتصادية والبشرية المعقدة، وهي ملفات كان دائما موضع أخذ ورد وتوتر بين الطرفين، بعضها يتم تدبيره باتفاقيات، ومنها ما يتم تأجيله لتتحكم في وتيرته التحولات السياسية داخل البلدين كما هو الشأن بالنسبة لملف الثغرين المحتلين سبتة وامليلية.
راخوي و"الأولوية السياسية المطلقة"
بيد أن زيارة راخوي إلى المغرب والتي من المرتقب أن تستغرق يوما واحدا، سوف لن تستعرض كل الملفات بالتدقيق المطلوب، بل سيحرص الجانب الإسباني على إيلاء الأهمية إلى ملف واحد على الأقل، هو ملف الصيد البحري عقب انسحاب أسطول الاتحاد الأوربي من المياه المغربية بعد قرار البرلمان الأوروبي إنهاء الاتفاق مع المغرب.
ويدرك المراقبون والمسؤولون المغاربة أن مطلب مدريد في هذا الملف لن يكون سوى محاولة تجديد الاتفاق بما يتيح للبواخر الإسبانية الإبحار من جديد في مياه المغرب، لتكون مهمة راخوي خلال الزيارة هي محاولة تليين الشروط المغربية في اتجاه بحث ملف الصيد بشكل تقني بعيدا عن الأبعاد السياسية التي تحكمت في قرار البرلمان الأوروبي الأخير.
ووصف وزير الفلاحة والتغذية والبيئة الإسباني قبل أيام استئناف التعاون بين إسبانيا والمملكة في ميدان الصيد البحري ب "الأولوية السياسية المطلقة"، على خلفية المظاهرات التي عرفتها المدن الساحلية جنوب اسبانيا، طالب خلالها مهنيو الصيد البحري الإسبان بضرورة عودة الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوربي.
ويزيد من أولوية الملف لدى الإسبان كون مدريد لم تتلق أي رد على مطالبتها الاتحاد الأوروبي بتعويضها عن الأضرار التي لحقتها من جراء توقيف الاتفاق مع المغرب، والذي كان سببا في وقف الحياة داخل مناطق وقرى إسبانية في جهة الاندلس تعيش بأكملها بفضل نشاط الصيد البحري في المصايد المغربية.
المفاوض المغربي
في المقابل يحرص المفاوض المغربي على أن تتم المباحثات مع المسؤول الإسباني من منطلق شمولي، عكس المقاربة التجزيئية التي تحرص عليها مدريد وفقا لمصالحها، بعزل ملف الصيد البحري عن باقي الملفات الأخرى المطروحة.
في هذا السياق مطلوب من المسؤولين المغاربة توسيع جدول الأعمال خلال لقاء الأربعاء، وتضمينه ملفات أخرى لها أهمية بالغة بالنسبة للمغرب، كالملف الفلاحي وحرب الطماطم التي يشنها المهنيون الإسبان وملف المهاجرين المغاربة في اسبانيا وظروف الإقامة وتعامل السلطات الإسبانية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي وقضية الصحراء.
ولا يعوز المسؤولين المغاربة، في الفلاحة والخارجية وكذلك على مستوى رئاسة الحكومة المهارات التقنية ولا الحنكة السياسية المطلوبة لمناقشة الملفات المطروحة، بقدر ما تلزم الإرادة السياسية في تغيير ميزان القوى الديبلوماسي مع الجارة الإسبانية التي دخلت مرحلة أزمة مالية واقتصادية تخشى معها من تداعيات داخلية اجتماعية واستراتيجية في المنطقة وفي علاقتها بالجيران في سياق ما تعرفه الضفة الجنوبية من تحولات.
في آخر التصريحات قبل زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب، أكد العثماني على خبرته بملف العلاقات المغربية الإسبانية، وتحدتث قيادات أخرى في العدالة والتنمية على أهمية استرجاع سبتة وامليلية، في المقابل تفرقت الصحف الإسبانية في توصيف رئيس الحكومة المغربية الجديد بين تخوفات من توجهه الإسلامي وتأكيد على استراتيجية العلاقات مع المغرب التي لن تتأثر بتغير الحكومات في البلدين.