شكلت الرسالة التي وجهتها جماعة العدل والإحسان إلى حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية خطوة سياسية مهمة في سلسلة الخطوات السياسية التي قامت بها الجماعة مؤخرا أبرزها قرار الجماعة الانسحاب من مسيرات حركة 20 فبراير.
وقد حرصت جماعة العدل والإحسان من خلال رسالتها التي وجهها مجلس إرشاد الجماعة إلى الإخوة الكرام والأخوات الكريمات في: المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية"، على مخاطبة جهتين في الآن الواحد: الجهة الأولى هي "الإخوة" الإسلاميين المشاركين في الحكومة، وثانيا: الدولة.
المؤسسات... رهان خاسر
في خطابها ل "الإخوة في الحركة الإسلامية" الذين اختاروا العمل المؤسسي نهجا من أجل الوصول إلى السلطة، تأتي رسالة العدل والإحسان وكأنها رد على دعوات سابقة قدمها رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بنكيران للعدل والإحسان ول 20 فبراير من أجل الحوار بعد فوز العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة.
وقد كان الفوز الكاسح للإسلاميين في الانتخابات التشريعية دعما لما ضل ينادي به بنكيران منذ سبعينات القرن الماضي من ضرورة التوافق مع القصر وعدم المواجهة معه، والعمل على الحضور داخل مؤسسات الدولة ، وفق النموذج الإخواني القائم في مصر.
وقد سعى بنكيران حين خاطب جماعة العدل والإحسان، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، إلى تعداد مزايا النهج السياسي الذي اتبعه، في تجنيب البلاد الأزمات والمواجهات، بتفضيل أسلوب التوافق والمراهنة على العمل من داخل المؤسسات.
من هنا جاء رد الجماعة من خلال الرسالة الأخيرة واضحا في إبراز محدودية النتائج السياسية التي يوصل إليها النهج الذي يتبعه بن كيران.
رسالة جماعة العدل والإحسان في ردها على حركة الإصلاح والتوحيد وحزب العدالة والتنمية أكدت على ضرورة تجنب المقارنة بين ما يقع في المغرب وبين ما جرى في الدول العربية المجاورة كتونس وليبيا ومصر، لأن ذلك يعتبر من قبيل "التلبيس الفظيع"، إذ لا يجب الخلط بين ثورات البلدان الأخرى وبين "استمرارية الخداع والمناورة والمكر .. والالتفاف والروغان" الذي يعرفه المغرب.
وانتقدت الرسالة مراهنة العدالة والتنمية على المؤسسات وقالت إن "المشاركة السياسية بالشروط الفاسدة وفي الأوضاع المختلة هي في أحسن الأحوال مضيعة للوقت وخدمة للاستبداد وتمكين له أشد التمكين". واعتبرت أن الدفاع عن الدستور الجديد هو مساهمة في الالتفاف على المطالب الحقيقية للشعب.
المطالب السياسية للجماعة..
ثانيا: الجهة الثانية التي سعت جماعة العدل والإحسان إلى مخاطبتها من خلال الرسالة التي وجهتها إلى التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، هي الدولة. وتكون الرسالة الأخيرة هنا جزءا من التفاوض غير الرسمي بين الجماعة والدولة، أكدت خلالها الجماعة مرة أخرى رفضها للمبادرات الدستورية والسياسية التي قام بها الملك مؤخرا.
رسالة الجماعة شكلت جوابا على ما راهن عليه المراقبون، والفاعلون داخل الدولة كذلك، من أن دخول العدالة والتنمية إلى الحكومة سوف يفتح بابا عريضا يمكن للدولة من خلاله التحضير لمرحلة العدل والإحسان، واستدراجها للعمل من داخل المؤسسات.
وقد زاد هذا الرهان بعد القرار الأخير للجماعة بالتخلي على الخروج في مسيرات 20 فبراير، وهو ما رأى فيه المراقبون نتيجة تفاوض مع الدولة ومع الرئيس الحكومة الجديد عبد الإله بنكيران.
تقول إحدى الفقرات الأخيرة في الرسالة:" كيف مآل الدول وأموالها وأعراضها تحت مؤسسات يعشش فيها الهوى والترف، ويتلاقح فيها استغلال النفوذ باحتجان الأموال بالباطل، ويقتُل قهرُها واستبدادُها كلَّ شهامة وكل إرادة حرة في الأمة؟".. هذه هي أعراض المرض الذي يلم بمؤسسات الدولة حسب تصور الجماعة، يصبح معه أي عمل من داخلها عرضة للفشل.
الجماعة إذن تعارض عمل العدالة والتنمية من داخل المؤسسات وتعلن انسحابها من حركة الشارع، ليست مع الحكومة وليست مع 20 فبراير.فهل يتعلق الأمر بإبراء ذمة مما تسير فيه العدالة والتنمية أم بغياب تصور سياسي لما يمكن أن تصنعه الجماعة في سياق عام يطبعه الربيع العربي؟