في بداية القرن الثامن، شن المسلمون حربا عسكرية عرفت بالفتح الإسلامي للأندلس تحت راية الدولة الأُموية ضد مملكة القوط الغربيين المَسيحية في إسبانيا، وتم إعلان شبه جزيرة أيبيريا بعد سنوات إقليما إسلاميا بعد أن هزم المحارب الأمازيغي طارق بن زياد القوط الغربيين.
وبعد مرور خمسة وأربعين سنة، وصل عبد الرحمن الأول، أحد أفراد الأسرة الأموية ومؤسس إمارة قرطبة، إلى الأندلس وأمر ببناء مسجد قرطبة سنة 785م، وكان يعتبر أكبر مكان عبادة في الإسلام، وقد تحول إلى كاتدرائية عندما استولى الإسبان على قرطبة سنة 1236، وأصبحت تعرف بـ "كاتدرائية - جامع قرطبة" أو كاتدرائية مـِسكيتا.
وكان مسجد قرطبة يعتبر الأقدم في أوروبا، إلا أن بحثا أثريا حديثا رجح ألا يكون ذلك صحيحا، وأن مسجدا آخر بني قبل ذلك على بعد 90 كيلو مترا من العاصمة الإسبانية الحالية مدريد.
فقد أشار موقع "لايف ساينس"، إلى أن علماء آثار اكتشفوا مؤخرا أجزاء بناية على شكل قصر كبير في الموقع الأثري ريكوبوليس، والتي يرجح أن تكون أحد أقدم المساجد التي بنيت في أوروبا، كما عثروا على بقايا إحدى المدن التي أنشئت في عهد القوط الغربيين والتي ظلت مدفونة تحت الأرض مند وقت طويل.
وأكد الموقع الأمريكي المتخصص في الآثار أن الباحثين لم يضطروا للحفر وإنما قاموا باستخدام أداة مغناطيسية أرضية، مكنتهم من العثور على جدران بنايات وغيرها من الهياكل التي لا تزال مدفونة تحت الأرض في ريكوبوليس، الواقعة في منطقة ريفية خارج مدريد، والتي يعود زمن تشييدها لحوالي 1400 سنة.
وفي تصريح للموقع نفسه، قال مايكل ماك كورميك وهو مؤرخ وعالم آثار في جامعة هارفرد، والذي كان ضمن الباحثين الذين سهروا على إعداد دراسة حول الآثار المكتشفة "تمكنا من العثور على مباني وشوارع وممرات في كل مكان قمنا فيه بالمسح".
كما اكتشف الباحثون أيضا "مبنى كبير ذو اتجاه مختلف عن جميع المباني الأخرى"، مصمم نحو قبلة المسلمين في مكة، ويشبه مساجد الشرق الأوسط، وقال كورميك "إن عملية التنقيب هي الوحيدة التي يمكنها تأكيد ما إذا كانت البناية هي بالفعل مسجد، وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون أقدم مسجد متبقٍ في أوروبا".
وأشار المصدر نفسه إلى أن عملية التنقيب في ريكوبوليس استمرت لعدة عقود، إلا أنه لحد الساعة تم اكتشاف 8 في المائة فقط من هذه المدينة، وفي سنة 2014 قام كورميك بزيارة المنطقة، ولاحظ بها بقايا قصر، وكنيسة وبعض المتاجر، وسخر قائلا لأحد زملاءه "أين باقي المدينة".
وفي السنة المقبلة سيتعاون الباحثون معا من أجل إجراء أول مسح ميداني جيومغناطيسي في المنطقة نفسها، وهو ما سيمكنهم من رؤية الهياكل الموجودة تحت الأرض من خلال تحديد نتوءات غير طبيعية تحت سطح الأرض، حيث كشفت نتائج المسح الأولي أن المساحات الفارغة داخل أسوار مدينة ريكوبوليس كانت مليئة بالشوارع والمباني المخفية.
وقال نويل لنسكي، أستاذ العلوم الكلاسيكية والتاريخ في جامعة ييل الإسبانية "بفضل هذا المسح المغناطيسي الجديد، أدركنا أن المساحة المحاطة بأسوار المدينة قد تطورت بالكامل وأن عدد سكانها كان كبيرا لدرجة أنه كان من الممكن أن يتجاوز حدود المدينة"، وأضاف "كان هذا يحدث في فترة كان يعتقد أنها تتميز بانحدار حضري وانهيار سكاني".
وأوضح المصدر نفسه أنه تم بناء ريكوبوليس وسط الاضطرابات التي شهدها القرن السادس الميلادي، واتسمت هاته الفترة بالهجرة الجماعية ونقص الغذاء والمجاعة، فضلاً عن أول ظهور معروف للطاعون الدبلي..
وقال ماكورميك إنه "من الرائع حقا رؤية مملكة القوط الغربيين مجتمعة مرة أخرى، خصوصا في هذا الوقت، كما أنه من الرائع أيضا أن يتم جمع كل هذه الثروات من أجل بناء مدينة جديدة".
المصدر نفسه أشار إلى أنه تم القضاء على حكم القوط الغربيين في المنطقة أثناء الفتح الإسلامي سنة 711، وتظهر الأدلة الجيوفيزيائية الجديدة بعض علامات تواجد المسلمين في المنطقة قبل أن يتم التخلي عن المدينة سنة 800 للميلاد.